مفهوم العجلة
العجلة هي التقدّم لفعل الشيء قبل وقته وأوانه، فقد عرّفها المناويّ فقال: "العجلة: فعل الشّيء قبل وقته اللّائق به"، وقال الرّاغب: "العجلة: طلب الشّيء وتحرّيه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشّهوة"، لِذلك فهي صفةٌ مذمومةٌ في أصلها، حتّى قيل عنها عبارة "العجلة من الشيطان".[١]
وهي ضدّ الأناة والحِلم والتأنّي والتثبّت، وقد بيّن الله -تعالى- أنّها صفةٌ جُبل عليها الإنسان، ولكنّه -سبحانه- حذّر منها في الوقت ذاته فقال: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ)،[٢][٣] لذلك كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحبّ التأنّي ويقول لأشجّ عبد القيس -رضي الله عنه-: (إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ والأناةُ).[٤]
صور العجلة
العجلة مذمومةٌ فيما يُطلب فيه التأنّي وعدم الاستعجال، ومحمودةٌ فيما يُطلب تعجيله من فعل الخير، فهي إذاً تنقسم إلى قِسمين: العجلة المذمومة، والعجلة المحمودة، ونبيّن ذلك مع صور كلّ منهما فيما يأتي:
العجلة المذمومة
ذمّ الله -تعالى- ورسوله العجلةُ في غير موطنها، وقال ابن القيم -رحمه الله- عن العجلة المذمومة: "... ولهذا كانت العجلة من الشيطان، فإنها خِفَّة وطيش وحدَّة في العبد تمنعه من التثبُّت والوقار والحلم، وتوجب له وضعَ الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشرور، وتمنعه أنواعًا من الخير..."،[٥] ومن أبرز صورها ما يأتي:
- العجلة في أداء العبادة
ومن ذلك العجلة في أداء الصلاة، فتكون خاليةً من الطمأنينة والخشوع، وربّما أثّر ذلك على صحّتها، ولا يكسب منها العبد إلا حركات خالية من جوهر العبودية، ومن ذلك أيضاً العجلة في قراءة القرآن، فيقرؤه المتعجّل بلا تدبُّرٍ وتأمُّلٍ، والعجلة في الدّعاء وإجابته، وعلى ذلك فقِس، فالمُتعجّل في أداء العبادة يُضيّع المقصود منها من العبودية واستشعار عظمة الله والحاجة إليه.
- العجلة في اتّخاذ القرارات
إنّ العجلة في اتّخاذ القرارات قبل دراستها يؤدّي بصاحبها غالباً إلى النّدم، لِذا كانت العجلة هنا مذمومة لأنّ الأصل في القرارات أن تُبنى على التأنّي والحِكمة ودراسة المعطيات والنتائج قبل اتّخاذها، فإن وصل المرء إلى هذه المرحلة عن بصيرةٍ فله أن يُقدم على اتّخاذ قراره دون إبطاء.
- العجلة كصفةٍ في حياة وأفعال الإنسان
فمن صفات الإنسان المذمومة العجلة في كلّ شيءٍ في صفاته وأمور حياته؛ فإذا تحدّث تكلّم باستعجال، وإذا أكل استعجل في أكله، وإذا مشى فبتعجُّلٍ دون وقار، وإذا طلب أمراً من غيره وجب أداؤه حالاً دون تأخُّر، وهذه الأفعال في الحقيقة تُنافي الأسلوب الصحيح في التعامل مع النفس ومع الآخرين.
العجلة المحمودة
العجلةُ مذمومةٌ إلا في أفعال الخير والبرّ والمسارعة في الخيرات، فقد قال الله -سبحانه- مادحاً عباده المؤمنين: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)،[٦] وقال: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ...)،[٧] ونذكر أبرز صور العجلة المحمودة فيما يأتي:[٨]
- العجلة في التوبة إلى الله
قال -تعالى-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا* وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).[٩]
- العجلة في أداء الحقوق لأصحابها
عن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (صَلَّيْتُ ورَاءَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِن سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عليهم، فَرَأَى أنَّهُمْ عَجِبُوا مِن سُرْعَتِهِ، فَقالَ: ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ).[١٠]
- العجلة في سداد الدَّيْن
إذْ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُرشد أصحابه إلى المسارعة في سدّ الدَّين، ولما مات رجلٌ سأل النبيّ إن كان عليه دَيْن، وأمر أهله بالمسارعة في سداده، ولما لقي النبي رجلٌ من أهله وسأله عن سداد ديْن صاحبه أجابه بأنّه سدّ الدّين عنه، فقال النبي الكريم له: (... الآنَ حين بَرَدَتْ عليه جِلدُه).[١١]
- العجلة في تعجيل الفطر في رمضان
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ).[١٢]
- العجلة في تقديم الخير والمُساعدة للناس.
ماذا قال الله تعالى عن العجلة؟
في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتحدّث عن العجلة، ومن أبرز هذه الآيات ما يأتي:
- العجلة صفةٌ جُبِل عليه الإنسان، قال -تعالى-: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)،[١٣] ومن ذلك أنّ الإنسان قد يدعو على نفسه وولده عند الضجر بسرعة، قال -تعالى-: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً).[١٤]
- استعجال العديد من أقوام الأنبياء للعذاب، إذ كانوا يقولون ذلك على سبيل الاستهزاء والإنكار لدعوة رسلهم، قال -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ).[١٥]
- أمر الله -تعالى- نبيّه الكريم بعدم الاستعجال بالقراءة والحفظ عند تلقّي الوحي، وكان -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك خشيةً من نسيان الحفظ، ولكنّ الله طمأنه فقال: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ...)،[١٦] وقال: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ).[١٧]
آثار العجلة
إنّ للعجلة العديد من الآثار المترتّبة عليها بحسب كوْنها محمودةٌ أم مذمومة، فأمّا العجلة المحمودة المتمثّلة في المسارعة بالخيرات وصنع المعروف فآثارها مثمرة على العبد وغيره، ويجزي الله -تعالى- صاحبها أجراً عظيماً، وأمّا العجلة المذمومة فيتبعها العديد من الآثار السيّئة، ونذكر أبرزها فيما يأتي:
- تأثيرها على إجابة الدعاء، لأنّ صاحبها ييأس من رحمة الله وإجابته، وهذا الأمر من موانع الاستجابة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).[١٨]
- تأثيرها على الصلاة وقراءة القرآن ونحوها من العبادات بتقليل الأجر والثواب أو عدم صحّتها أحياناً.
- النّدم الشديد، وهو أبرز هذه الآثار خاصةً فيما يتعلّق بالقرارات والأفعال، بالإضافة إلى الانفعال وعدم ضبط النفس.[١٩]
- عدم الانتصار في الدّفاع والخصومات، فالخاسر عادةً ما يكون هو المتسرّع، والمتأنّي هو المنتصر.[٢٠]
- خسارة العلاقات، إذ ينتج بسبب العجلة الكثير من الآثار التي يندم عليها صاحبها فيما بعد؛ كالطّلاق، وعدم مسامحة الآخرين، وترك الدعاء، واليأس.[٣]
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 4942، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:37
- ^ أ ب محمود القلعاوي، "ولم العَجَلة يا أخي؟!"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:18، صحيح.
- ↑ ابن القيم، الروح، صفحة 718، جزء 2.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:61
- ↑ سورة آل عمران، آية:133
- ↑ طه حسين بافضل، "العجلة"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2023. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:17-18
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عقبة بن الحارث، الصفحة أو الرقم:851، صحيح.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن جابر، الصفحة أو الرقم:2381، صحيح الإسناد.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:1957، صحيح.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:37
- ↑ سورة الإسراء، آية:11
- ↑ سورة يونس، آية:50-51
- ↑ سورة طه، آية:114
- ↑ سورة القيامة، آية:16
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6340، صحيح.
- ↑ ناصر العمر، الحكمة، صفحة 48. بتصرّف.
- ↑ د. محمد بن لطفي الصباغ، "الأناة: التأنِّي من الله والعجلة من الشيطان"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2023. بتصرّف.