خلق الحلم

إن الحلم خلق عظيم من مكارم الأخلاق التي جاءت الشريعة بالترغيب به، فهو من أعظم الأخلاق التي ينبغي على المسلم التخلق بها، ويقصد بها أن يضبط المسلم نفسه ويملكها عندما يغضب، فيصبر ولا يتعجل، من غير ضعف أو عجز، ابتغاء مرضاة الله -تعالى-،[١][٢] وقد وصف الله -تعالى- نفسه بالحلم، وسمى نفسه بالحليم، فقال في كتابه: (وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ).[٣] كما أنه خلق الأنبياء والمرسلين، فقال الله عن إبراهيم -عليه السلام-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ).[٤][٥]


وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتخلق به فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)،[٦]وقد أشارت آياتٌ من القرآن وأحاديث من السنة إلى هذا الخلق الكريم، ودعت المسلمين إلى التحلّي به، والعفو والصفح عند الإساءة، وكان -عليه الصلاة والسلام- يوصي أصحابه بالحلم والتخلق به في معاملاتهم، حيث قال للأشج عبد القيس -رضي الله عنه-: (إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ: الحِلْمُ والأناةُ).[٧][٥]


كيف يمكن اكتساب خلق الحلم؟

يمكن اكتساب خلق الحلم والتحلي به بعدة طرق، منها كما يلي:[٨][٩]


تذكّر حلم الله -تعالى- على عبده

إن الله -تعالى- يرى عصيان العصاة، ويشهد كثرة فعل النواهي، وارتكاب المحرمات، وانتهاك حرماته، وغير ذلك من العصيان والفسق، إلا أنه حليم بعبده، لا يتعجل بالعقوبة، ولا يسارع في الانتقام، بل يصبر ويُمهل، فإنّ تذكّر العبد لحلم الله -تعالى- على عباده يساعده على اكتساب خلق الحلم.[٩]


تذكّر ثواب الحلم وفوائده

إن الله -تعالى- قد وعد بالجنة والثواب العظيم لمن يعفو ويصفح ويرحم من عباده، فقال في كتابه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ ُينفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[١٠] وإن استحضر العبد فوائد التخلق بالحلم، وأثره في الدنيا والآخرة، ساعده ذلك على اكتسابه.[٩][٨]


التعوّد والتكرار

إن تربية النفس وتعزيز خلق الحلم فيها، بالتكرار والتعوّد على التحلي به، يُكسِب العبد هذا الخلق، حيث إن الحلم بالتحلّم؛ للحديث الذي ورد بإسناد حسن: (إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ ، و إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ)،[١١] فعلى العبد أن يدرّب نفسه على التحلي بهذا الخلق لاكتسابه.[٨]


الترفع عن معاملة السيئة بالمثل وترك السباب

إن عدم مقابلة الإساءة بالإساءة وعدم المعاملة بالمثل، وعدم السبّ والمخاصمة، والتفضّل على المسيء، كل ذلك يساعد على اكتساب خلق الحلم، وهذا مما يدل على علو الهمة وشرف النفس وعزتها.[٩]


ما هي ثمار التخلق بالحلم؟

تتعدد ثمار التخلق بالخلق الحلم وتكثر فوائده، من أبرزها:[١٢][١٣]

  • الفوز برضا الله -عزّ وجلّ- ومحبته وثوابه، فالحليم له الدرجات العلا من الجنة.
  • رفع المنزلة والمكانة؛ فالحليم يناصره الله -تعالى- ويرفعه ويقويه، فيصبح عظيم الشأن، محموداً مرضياً.
  • الدلالة على كمال العقل، وسعة الصدر، وقوة الإرادة، وامتلاك النفس وضبطها.
  • وسيلة لإزالة البغض والكره بين القلوب، ونشر التآلف والمحبة والاحترام بين الناس.


مواضيع أخرى:

خلق الصدق

آثار العفو على الفرد والمجتمع


المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 1736. بتصرّف.
  2. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين لابن عثيمين، صفحة 573. بتصرّف.
  3. سورة الحج، آية:59
  4. سورة هود، آية:75
  5. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة أخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 193-194. بتصرّف.
  6. سورة آل عمران، آية:159
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:18، صحيح.
  8. ^ أ ب ت "سلسلة أخلاقنا"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 3/10/2022. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 198. بتصرّف.
  10. سورة آل عمران، آية:133-134
  11. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:342 ، إسناده حسن أو قريب منه.
  12. مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 197. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 1752. بتصرّف.