إن كل سلوك متكرر أو عادة في حياة البشر لا بد وأن تنظمها مجموعة من الآداب؛ وذلك كي يحافظ هذا السلوك على الهدف الأساسي منه، ويبقى بعيدًا عن أي أذى أو مضايقات قد تحصل، ويعد الحوار أحد تلك السلوكات التي تحتاج إلى قواعد وآداب لتنظمها، لذلك نجد أن الإسلام نظم الحوار بمجموعة من الآداب التي تبقيه في المسار الصحيح له وبأجمل صورة ممكنة، وذلك لأن الإسلام اعتنى بالاخلاق أيما اعتناء؛ لأنها الصورة الخارجية التي تعكس الإيمان الداخلي، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ" [١]، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة الأخلاق وأهميتها في الإسلام الذي جعلها لبنة أساسية، واستكمالًا لحديثنا عن الآداب سنعرض في هذا المقال أبرز آداب الحوار.
1. مراعاة أن يكون الكلام مناسبًا للسامعين
وذلك لأن الحوار يفقد قيمته إذا لم يكن مناسبًا للمتحاور، مثلًا من غير المنطقي تناول قضايا في الهندسة مع أشخاص غير متخصصين فيها، أو الحديث عن أي موضوع متخصص لا يمكن لعامة الناس فهم تفاصيله وحيثياته، كما أن ذلك فيه سوء أدب مع المتحاور، لذلك قبل البدء بأي حوار مع أي شخص لا بد من محاولة تناول موضوع مشترك يمكن للطرفين الحديث فيه، وفي حال كان الحوار مع شخص غير معروف مسبقًا يمكن الكشف عن موضوع مناسب للحوار بعد الحديث معه عن تخصصه أو مجال عمله أو ما شابه. [٢]
2. الحفاظ على الحوار الهادئ
إذ إن الحوار الذي يفتقر إلى الهدوء واللطف يكون شجارًا وليس حوارًا، كما أنه يخرج عن الهدف الأساسي من الحوار وهو تبادل الآراء وعرضها، ويصبح مبارزة يريد فيها أحد الطرفين الفوز على الآخر، وإن خير دليل على أن الحوار الهادئ هو ما يحقق القصد منه حوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء يستأذنه بالزنا، فلم ينهره الرسول ولم يغضب بل بقي هادئًا ومركزًا على الهدف الأساسي من الحوار وهو ثني هذا الشاب عن التفكير بالزنا، فظل يسأله أترضاه لأمك، أترضاه لأختك... والشاب يردد: لا.. لا، فيجيبه صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ولا لبناتهم... إلى أن قال هذا الشاب أنه دخل على رسول الله والزنا أحب ما في قلبه، وخرج من عنده والزنا أبغض ما في قلبه. [٣]
3. تجنب التعصب في الحوار
والتعصب هو الإصرار على رأي معين والتعامل مع كل رأي مختلف على أنه خاطئ، وهذا يعد هادمًا للحوار، لأن المتحاور يكون في انتظار الطرف الآخر حتى ينهي كلامه كي يرد عليه، دون أن يركز فيما يقول أو يسمع حجته، كما أن سمة التعصب قد تعمي الإنسان عن الكثير من الحقائق، ولنا في الشافعي أسوة حسنة حين قال: "رأيي صواب ويحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ ويحتمل الصواب" وهذا يتعلق بالأمور الدينية التي لا تحتمل الكثير من الأخذ والرد، فكيف بالقضايا الدنيوية التي تحتمل الكثير من الأوجه، وفيها من السعة ما يستوعب الآراء كلها. [٤]
4. الاستماع للطرف الثاني
إذ إن الأخذ والرد وتبادل أطراف الحديث هو تعريف الحوار في الأصل، لذلك يجب على المحاور أن يستمع إلى الطرف الآخر، وأن لا يبقي الحديث في جهة واحدة، فلا يوجد أسوأ من أن يجلس أحد مع شخص يتكلم دون أن يسمح لغيره بالكلام، وكذلك الحال في الحوار إذا افتقد للاستماع، سواء أكان الشخص يتظاهر بالاستماع دون تركيز أم أنه لا يسمع للطرف الآخر بالحديث، إذ إن الحالتين توصلان إلى حوار فاشل. [٢]
5. انتقاء أفضل الألفاظ
من الضروري أن يحرص المتحاور على اختيار أفضل الكلمات وانتقاء أسمى المعاني؛ لأن الفعل الراقي كالحوار يهدف إلى إيصال المعنى أو الفكرة بأجمل صورة ممكنة، مع مراعاة مشاعر الآخرين واحترام معتقداتهم، ولا بد من أن الجميع مر بمجلس حوار لم تتوفر فيه هذه النقطة، وغالبًا ما يكون الحوار سيئًا في مثل تلك المجالس، لدرجة أنه لا يرقى لتسميته بالحوار، بل يمكن أن نطلق عليه اسم مشاجرة أو عراك أو تحدي، ولتجنب تدني مستوى الحوار بهذه الصورة يجب الحرص على التفكير في الكلام قبل عرضه، لتجنب نطق الكلمة في غير مكانها الصحيح ووقتها المناسب. [٢]
المراجع
- ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:215/2.
- ^ أ ب ت "آداب الكلام والمحادثة"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
- ↑ "آداب الحوار في الإسلام"، طريق الإسلام. بتصرّف.
- ↑ "أسلوب الحوار وآدابه وقواعده وآفاته"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.