إن الأصل في التسامح أن يكون مع الآخرين، فهو يعني المعاملة باللطف واللين، والتيسير دون تعسير، وعدم رد الإساءة بمثلها، وعند الحديث عن التسامح من الضروري أن نشير إلى أنه خلق محمود في المسلم، ولكن يشترط فيه حتى يكون صحيحًا أن يكون عن طيب نفس من المسلم؛ فلا يتسامح المسلم مع غيره لأنه مرغم على ذلك، أو لأنه ضعيف لا يقوى على أخذ حقه، أو لا يستطيع أن يناقش في عقيدته، بل يتسامح المسلم مع غيره من المسلمين ومن غير المسلمين بقبول تام ورضًا من نفسه، ولأنه قوي لا ينظر إلى الاختلاف، ولأنه لا يجادل جدالًا لا ترجى منه نتيجة، ولمّا كانت للتسامح أهمية كبيرة ومنزلة عظيمة كان لا بد من أن يتعلم كل فرد منا كيف يتسامح مع الآخرين، وسنعرض في هذا المقال أبرز ما يتعلق بكيفية التسامح مع الآخرين.


1. تقبل اختلاف الأديان

من أهم مظاهر التسامح أن يتقبل المسلم اختلاف ديانة بعض الأفراد في المجتمع، وإن خير ما يمكننا الاستدلال به في هذا السياق هو قوله تعالى: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [١]، ولكن هذا التقبل لا يعني الذوبان في العقائد المختلفة والتأثر بها، بل يعني التعامل مع أصحابها بلطف دون محاولة الانتقاص منهم ومن ديانتهم، ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن الله عز وجل نهى المسلمين عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وذلك في قوله: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [٢]، وفي ذلك تشديد على ضرورة التسامح مع أهل الكتاب وعدم السعي وراء جدالهم في العقيدة إلا بما يحمل المنفعة. [٣]


2. التسامح مع المسيء

إن التسامح مع المسيء والمخطئ يكاد يكون الوجه الأشهر من أوجه التسامح، ومن أشكاله عدم مقابلة الغضب بمثله، فحينما يغضب سائق سيارة في الشارع من الازدحام أو من سلوك سائق آخر تجب مقابلة غضبه بالهدوء واللين، وعادة ما تنجح هذه الطريقة في امتصاص الغضب والحصول على أفضل نتيجة ممكنة من هذا السلوك، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في الكثير من المواقف التي قابل فيها الغضب والانفعال بالهدوء والرفق واللين، ومن ذلك هدوؤه صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي جذبه من ردائه طالبًا منه المال، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن ضحك وأمر له بصرف المال. [٤]


3. السماحة في البيع والشراء

إن البيع والشراء من أكثر المعاملات التي تحدث بين المسلمين أنفسهم وبين المسلمين وغيرهم، ولكثرة تكرارها قد تحدث فيها بعض الأخطاء والمشكلات؛ من غش وزيادة كبيرة في السعر وإصرار على أمر معين، لذلك كان لا بد للمسلم من أن يحرص على أن يكون سمحًا في تلك المعاملات، وقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: "رحم اللهُ عبدًا سمحًا إذا باعَ، سَمحًا إذا اشتَرى، سَمحًا إذا قضَى" [٥]، وفي ذلك دليل على أهمية السماحة وفضلها في تلك المعاملات، فلا يوجد أفضل من أن يشتري الفرد من بائع سمح وأمين، ولا يوجد أفضل من أن يجد البائع مشتريًا سمحًا، ومن الضروري الإشارة في هذا السياق إلى أن السماحة في البيع والشراء لا تكون على حساب الربح والخسارة، فالتاجر يجب أن يربح لأنه يكسب رزقه من هذا الربح، بل إن التسامح متمثل بطريقة التعامل في البيع والشراء. [٦]


المراجع

  1. سورة الكافرون، آية:6
  2. سورة العنكبوت، آية:46
  3. "التسامح في الإسلام"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  4. "التسامح النبوي"، إسلام ويب. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1742، صحيح.
  6. "الترغيب في السَّمَاحَة في السُّنَّة النَّبويَّة"، الدرر السنية. بتصرّف.