التعريف بعقد الاستصناع

بيع أو عقد الاستصناع هو أحد أنواع البيوع المتعلّقة بالصّناعة، وأمّا تعريفه العام والشامل فهو: عقدٌ أو وعدٌ على عينٍ مؤجَّلةٍ موصوفة بالذمّة ممّا تدخله الصنعة بثمنٍ معلومٍ وبشرط العمل فيه، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في تعريف الاستصناع من عدّة حيثيات؛ مثل كوْنه وعد أم عقد ونحوه، ونذكر أبرز أقوالهم في ذلك فيما يأتي:[١]

  • الاستصناع نوعٌ من بيع السّلََم، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
  • الاستصناع وعدٌ لا عقد، وهو قول بعض الحنفية.
  • الاستصناع بيع، وفي قولٍ آخر إجارة، وهو قول عند الحنفية.
  • الاستصناع إجارة في بدايته، وبيع في نهايته.


ويُستنبط من التعريف أنّ الشيء المباع في الاستصناع هو المواد الخام التي سيستخدمها الصانع في صنعته، أمّا كونها في الذمّة فيعني أنّ تسليمها مؤجَّلٌ لحين اكتمال صناعتها، فالمادة الخام الخشب مثلاً ستُحال إلى سفينة، والقماش إلى ثوب، وهكذا، ومن ذلك نعلم أنّ عقد الاستصناع يتكوّن من:[٢]

  • الصانع: وهو الشخص الذي يستخدم المواد الخام ويعمل بها، أو قد يُكلّف أحداً مختصَّاً غيره ينوب عنه في ذلك.
  • المُستصنِع: وهو الشخص الذي طلب صنعةً معيّنة.
  • المصنوع أو المستصنَع فيه: وهو المبيع الموصوف في الذمة.
  • الثمن: وهو ما يدفعه المستصنِع من المال مقابل مواد الخام والمادة المصنّعة.


مثال على عقد الاستصناع

من الأمثلة على عقد الاستصناع أن يأتي أحد الأشخاص إلى صانع أواني، فيطلب منه أن يصنع له أواني من نحاسٍ بثمنٍ ومقدارٍ ومحدّد، ويحدّد له صفة ما يُريد ونوعه، فيقبل الصانع ويقول: نعم، وزاد بعض أهل العلم في العصور المتأخرة نماذج عديدة بالإضافة إلى الأمثلة التي جرى فيها الاستصناع سابقاً، مثل صناعة الحديد والزجاج وغيره، وهذا يدلّ على أنّ صور الاستصناع عند المتقدمين على سبيل المثال لا الحصر.[٣]


حكم عقد الاستصناع

هناك تفصيلٌ بين الفقهاء من حيث الحكم في عقد الاستصناع، وتوضيح ذلك فيما يأتي:[٤]

  • قول جمهور الفقهاء

قالوا إن القواعد العامة ومقتضى القياس في الشريعة الإسلامية لا يُجيز الاستصناع لعدّة أسباب، وأهمّها: أنّه بيع معدوم، ولأنّ فيه اشتراط صانعٍ محدّد، ولا يُعرف هل سيُسلِّم المبيع أم لا، فدخل الغرر من هذه الناحية، وبناءً على ذلك مَن أراد شيئاً مصنوعاً على هيئةٍ معيَّنةٍ فله أن يطلبه من الصّانع بصيغة السَّلَم أو بصيغة الإجارة، ويأخذ الاستصناع في هذه الحالة عند جمهور الفقهاء أحكام وشروط بيع السَّلَم، لأنّه نوعٌ منه.


وصيغة الإجارة هي أن يحضر طالب الصنعة المواد على حسابه، ويطلب من الصانع أن يعمل له ما يريد على هيئةٍ محدَّدةٍ مقابل ثمنٍ معلوم، وله في هذه الحالة أن يعجّل بإعطائه الثمن أو يؤجّله أو يُقسّطه، أما صيغة السَّلَم فيتعاقد طالب الصنعة مع أيّ صانعٍ على سلعةٍ غير محدّدة بعينها، ولكنّها موصوفة بأوصاف معيّنة، ويضرب لها أجلاً معلوماً، مع وجوب دفع الثمن فوراً في مجلس العقد.


  • قول الحنفية

قالوا إن الاستصناع جائزٌ استحساناً على غير القياس؛ أي استثناءً من قاعدة عامّة تقتضي منعه، وهي بيع المعدوم، واستدلّوا على ذلك بعدّة نصوص شرعية من القرآن والسنة والإجماع، أما الدليل من القرآن فهو أنّ الناس طلبوا من ذي القرنين أن يصنع لهم سدَّاً مقابل مالٍ يعطونه إياه، ولمّا أورد القرآن هذه القصة بدون إنكار دلّ على مشروعية الاستصناع.


وأما الدليل من السنّة فهو: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِن ذَهَبٍ، وجَعَلَ فَصَّهُ في بَطْنِ كَفِّهِ إذَا لَبِسَهُ، فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِن ذَهَبٍ، فَرَقِيَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، فَقالَ: إنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ، وإنِّي لا ألْبَسُهُ فَنَبَذَهُ، فَنَبَذَ النَّاسُ)،[٥] وأما الإجماع فقد تعامل الناس بذلك من عهد النبوة إلى الآن دون نكيرٍ من أهل العلم، سواء كان ذلك في الملابس أو المباني أو الأثاث ونحوه، والتعامل يدلّ على حاجة الناس إليه، وفي منع ذلك حرجٌ على الناس.


أهمّ شروط عقد الاستصناع

يتضمّن عقد الاستصناع شروط البيع العامّة بالإضافة إلى شروط أخرى خاصّة به، ونذكرها فيما يأتي:[٦]

  • أن يكون المستصنَع فيه معلوماً من حيث النوع والمقدار، ويُطلب كلٌّ من العين والعمل من الصانع.
  • أن يكون ممّا جرى التعامل فيه بين النّاس، أمّا غير ذلك فيرجع للقياس ويأخذ أحكام السّلَم.
  • يرى بعض الحنفية أيضاً أنّ من شروط عقد الاستصناع عدم ضرب أجلٍ معلوم، وإلا صار سلَماً، وخالف أبو يوسف ومحمد ذلك وقالوا بشرط تحديد الأجل، لأنّ العرف جرى على ذلك.

المراجع

  1. عبد الله بن طاهر، العقود المضافة إلى مثلها، صفحة 113-114. بتصرّف.
  2. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 268-269، جزء 8. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 1031-1032، جزء 7. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، فقه المعاملات، صفحة 265-266، جزء 1. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:5876، صحيح.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 328، جزء 3. بتصرّف.