تعد النباتات وما يخرج من الأرض المصدر الأساسي لرزق الإنسان، خصوصًا مع وجود ارتباط بين الإنسان والأرض منذ زمن قديم، ويتمثل هذا الارتباط بحاجة الإنسان إلى ما يخرج من الأرض ليتمكن من العيش والاستمرار في حياته، وقد أنعم الله تعالى على الإنسان بتسخير الأرض له؛ لعمارتها واستغلالها بما يحقق له حاجاته ومصالحه من خلال الزارعة، قال الله تعالى: "اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ" [١]، بالإضافة إلى الكثير من الآيات الكريمة التي تدل على تسخير الله تعالى الأرض للإنسان.


كانت الزراعة أولى المهن وأقدمها، وقد عمل بها الإنسان وما زال يعمل بها إلى الوقت الحالي، ولم يهمل الإسلام مهنة الزارعة فرتّب عليها الأجر والثواب من الله تعالى؛ ليكون الهدف من الزراعة عمارة الأرض، وطاعة الله سبحانه وتعالى وابتغاء مرضاته، وإعالة النفس وأفراد الأسرة، فقد روى البخاري بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ" [٢]، ويتبين لنا أن الأجر لا يقف فقط على مالك الأرض بل إنه يتعداه إلى العامل وكل من شارك في عملية الزراعة، فجميعهم يشاركون في الأجر والثواب وهذا من فضل الله تعالى، ومن الأمور المتعلقة بالزراعة عقد المزارعة وقد اقتضت الحاجة ظهور أمر كهذا، وسنعرض أبرز ما يخص هذا العقد في مقالنا.


مفهوم المزارعة

المزارعة لغةً

زرع في اللغة يعني بذر، أي وضع البذور في التربة لتنبت بعدها، والزيادة في صيغة مفاعلة تفيد المشاركة، أي التشارك في أي شيء متعلق بعملية الزراعة. [٣]


المزارعة اصطلاحًا

المزارعة هي عقد بين طرفين أحدهما مالك للأرض والآخر عامل في الأرض، إذ يعطي المالك الأرض للعامل للعمل بها، وفق الشروط المتفق عليها فيما يتعلق بنصيب كل منهما مما يخرج من الأرض. [٤]


ركن المزارعة

يتمثل ركن المزارعة كما ذهب إليه الإمام حنيفة بالإيجاب والقبول من المتعاقدَيْن، إذ يقول مالك الأرض للعامل: دفعت إليك هذه الأرض مزارعة بكذا، فيرد العامل: رضيت أو قبلت، أو أي كلام يدل على قبول بينهما، فإذا اتفقا كان العقد ساريًا بينهما. [٥]


شروط المزارعة

لا بد من توافر الشروط التالية كي يكون عقد المزارعة صحيحًا: [٦]


1. أهلية العاقدين

فيكون المتعاقدين بالغين عاقلين راشدين، ولا يجوز أن يكون أحدهما صغيرًا أو سفيهًا.


2. الرضا المتمثل بالإيجاب والقبول

ويكون ذلك بأي صيغة توضح الإيجاب والقبول من المتعاقدين، كأن يقول مالك الأرض للعامل: أعطيك الأرض مزارعةً، ويقبل العامل بأن يقول له أنا رضيت أو قبلت.


3. صلاحية الأرض للزراعة

إذ يجب أن تكون الأرض صالحة للزراعة، وذلك بأن تكون تربتها قابلة للحراثة والاستخدام لزراعة المحاصيل.


4. تسليم الأرض للعامل

وذلك ليتمكن العامل من العمل في الأرض وزراعتها، ولا يجوز لمالك الأرض أن يشترط العمل مع العامل.


5. تحديد مصدر البذر

إذ يجب تحديد الشخص الذي سيكون البذر عليه، أهو مالك الأرض أم العامل، وذلك تجنبًا لحدوث خلاف.


6. أن تكون حصة كل من المتعاقدين شائعة

وذلك بتحديد نصيب كل من المتعاقدين بحصة شائعة من ناتج الأرض؛ كالثلث والنصف ونحو ذلك؛ لأنه من الممكن ألا تنتج الأرض المقدار المحدد في العقد، لذلك يجب أن تحدد بنسبة معينة.


المراجع

  1. سورة إبراهيم، آية:32
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2320.
  3. العرب "تعريف و معنى المزارعة في قاموس لسان العرب. قاموس عربي عربي"، المعاني.
  4. "مفهوم المزارعة لغة واصطلاحا"، طريق الإسلام. بتصرّف.
  5. "المزارعة وأحكامها"، الألوكة الشرعية، 3/2/2018، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2021. بتصرّف.
  6. محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 589. بتصرّف.