الدين الإسلامي هو دين كامل وشامل ينظم حياة الفرد في شتى مجالاتها؛ فهو ينظم العلاقة بين المسلم وربه ويحافظ على الجانب الروحي للإنسان من جهة، ومن جهة أخرى ينظم علاقة الإنسان بالغير، وقد حدد الإسلام الحقوق والواجبات داخل هذه المجتمعات، فلا نجد معاملة من معاملات الإنسان اليومية، إلا ونجد لها بيانًا وتفصيلًا في الشريعة الإسلامية، وضوابط لتحفظ حقوق الغير، ومن ضمن هذه المعاملات التي نظمها الإسلام هي المعاملات المالية، فقد وضّحت الشريعة العديد من المعاملات المالية الإسلامية وبينتها وشرحت ضوابطها برغم اختلاف الزمان والمكان، ومن تلك المعاملات المرابحة التي تعرف بأنها شراء سلعة بثمن معين لبيعها لشخص آخر بثمن وربح محدد يعلمه الشخص، وقد ثبت جواز المرابحة في الشريعة الإسلامية ضمن شروط وضوابط تضمن صحة المعاملة، وغالبًا ما تكون معاملة المرابحة في البنوك الإسلامية، لذلك ظهرت بعض المعاملات البنكية بما يسمى بوديعة المرابحة، والتي سنخصص هذا المقال للتعريف بها والتفريق بينها وبين الوديعة.


وديعة المرابحة

وهي أن يودع العميل مبلغًا معينًا في البنك الإسلامي، ويعطي البنك الوكالة في هذا المال بشراء سلعة معينة وتمليكها لصاحب المال، ثم إعطاء البنك الوكالة في بيعها للبنك نفسه بشرط معرفة السعر والربح وتقسيطها للبنك على عدة أشهر، وغالبًا ما تكون السلعة شيئًا دارج البيع والشراء في الأسواق الدولية، ولا يراها العميل أو البنك، وتسمى وديعة المرابحة بالمرابحة العكسية؛ لأن طبيعة المعاملات تقتضي أن يكون البنك البائع وليس مشتري أما المرابحة فتعاكس ذلك، وقد اختلف الفقهاء في حكم وديعة المرابحة، فمنهم من قالوا بتحريمها مثل المجمع الفقهي الإسلامي وأغلب المعاصرين، ومنهم من قالوا بجوازها، أما أسباب التحريم تكون لخروج هذه الوديعة ومخالفتها لشروط المرابحة التي سنتحدث عنها في الفقرة التالية.[١]


شروط المرابحة

فيما يأتي عرض للشروط التي تجعل من المرابحة معاملة جائزة ومطابقة لما جاء في الشريعة الإسلامية:[٢]


1. العلم بالثمن الأول

يشترط أن يعلم المشتري الثاني ثمن السلعة الأصلي قبل زيادته بنسبة المرابحة وتقسيطها، وإلا فإن عقد المرابحة يعد فاسدًا.


2. العلم بالربح

يشترط معرفة مقدار الربح الذي يجنيه المشتري الأول، وهو الشخص الذي يقدم خدمة المرابحة للمشتري الثاني.


3. تحديد مقدار الشيء المبيع

إذ يجب تحديد مقدار الشيء المبيع بين المشتري والمشتري الثاني، وتحديده بوحدة قياس مناسبة لنوع السلعة.


4. عدم البيع بالجنس نفسه

لأن ذلك يعد من الربا، وهو أن تبيع شيئًا مقابل شيء من الجنس نفسه مع زيادة عليه، كأن تبيع 500 دينار مقابل سدادها على 600 دينار، وذلك يعد من الصور المحرمة للبيه وهو وجه من أوجه الربا.


5. صحة العقد الأول

فلا يجوز بيع سلعة تملّكها البائع من خلال عقد فاسد، لذلك يشترط أن تكون السلعة المراد المرابحة عليها قد اكتسبت بعقد صحيح.


6. ملكية السلعة

فلا يصح بيع ما لا تملك، ويندرج في شرط التمليك أن يتملك البائع وهو المشتري الأول السلعة، فيعاينها ويأخذها بنفسه ويكون هو من يبيعها، لذلك قال مجمع الفقه الإسلامي بحرمة وديعة المرابحة؛ لعدم إشراف البائع على سلعته، إنما فقط قد وكّل البنك ليبيعها للبنك نفسه والسعر محدد من البنك نفسه أيضًا.


الفرق بين المرابحة القديمة والمرابحة المصرفية

اعتمدت المرابحة المصرفية الحديثة على القواعد التي شرعتها الشريعة الإسلامية في المرابحة القديمة في زمن بيان مشروعيتها وإباحتها، واختلفت في بعض التفاصيل لاختلاف الزمان وتسهيل طرق التعامل في المعاملات المصرفية الإسلامية، وتجدر الإشارة فيما يأتي إلى أن السبب وراء آراء الفقهاء الذين قالوا بتحريم بعض المعاملات مثل وديعة المرابحة التي تتم في البنوك الإسلامية، هو مخالفتها لأوجه المرابحة القديمة، ومن هذه الاختلافات ما يلي: [٣]

  1. السلعة كانت موجودة لدى البائع في حالة المرابحة القديمة، وهذا بخلاف المرابحة المصرفية، التي ربما لا يرى فيها البائع السلعة، وسبب التحريم هنا من بعض الفقهاء هو عدم تملك السلعة تملكًا حقيقيًّا سواء أكان هذا التملك من العميل في حالة وديعة المرابحة أم من البنك في حالة المرابحة المصرفية العادية.
  2. المرابحة القديمة يتم عقدها لمرة واحدة لدى البائع، أما المرابحة المصرفية فتنعقد على مرحلتين؛ الأولى تخص الوعد بالشراء، والثانية بالتسليم.
  3. البائع في المرابحة القديمة كان يشتري البضاعة لبيعها أو لينتفع بها لنفسه، أما المرابحة المصرفية فلا تتضمن شراء السلعة من المشتري الأول إلا بناءً على طلب المشتري الثاني برغبته في شراء السلعة بنظام المرابحة.
  4. الوعد في عقد المرابحة قد يكون ملزم التنفيذ، لذلك فإن المرابحة القديمة كانت المواعدة فيها تتم بناءً على العلم بالسعر، بخلاف المرابحة المصرفية التي تتم بها المواعدة بجهل الثمن.
  5. من أوجه المرابحة القديمة هو بيعها بالحال أو بيعًا مؤجلًا، أما المرابحة الحالية فتتم بشكل مؤجل في أغلب المعاملات، والسبب في ذلك أن المرابحة القديمة كانت تقتضي أنه إذا باع البائع السلعة في الحال بنظام المرابحة، فإن ذلك بسبب جهده وتعبه في توفير السلعة، بخلاف قدرة المصرف الإسلامي على ذلك، فهو يعتمد على الربح من خلال البيع بالتأجيل فقط؛ لأن الربح يتأتّى من التأجيل، والربح من البيع أيضًا فيه إرهاق للعميل ونفور له من هذه المعاملة المصرفية بالكامل.


المراجع

  1. "حكم وديعة المرابحة في بنك ميم أو المرابحة العكسية أو الاستثمار المباشر"، الإسلام سؤال وجواب. بتصرّف.
  2. وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي، صفحة 3767 - 3770، جزء 5. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، كتاب مجلة مجمع الفقه الإسلامي، صفحة 841، جزء 5. بتصرّف.