اهتم الدِّين الإسلاميّ الحنيف بتنظيم أمور العباد في كل أحوالهم، وبتيسير حياتهم بجوانبها المختلفة، لذلك نجد في تشريعات الدين الإسلامي أمورًا تخصُّ علاقة العبد بربه، وأمورًا تخصّ علاقة المسلم بأخيه المسلم، وهذا ما مُيّز به الدين الإسلامي الشَّامل الذي أوفى حقوقَ العباد وسهَّل عليهم حياتهم.

ولا شكَّ في أنَّ التَّعاملات بين العباد تتضمن أمورًا دقيقة تحتاجُ إلى تشريعاتٍ واضحةٍ وشاملةٍ؛ كي تسهِّل على الناس أمورهم ومعاملاتهم، ونحن في صدد الحديث عن الوديعة التي تعدُّ شكلًا من أشكال هذه المعاملات التي تحدَّثَ عنها الدّين الحنيف بشكلٍ واضحٍ، وشرعها الله سبحانه وتعالى بين الناس؛ تيسيرًا لحالهم، وتسهيلًا لأمورهم، وتحقيقاً لمصالحهم، ودفعًا للحرج عنهم، فهم في حاجةٍ شديدةٍ للاستعانة ببعضهم، فتلك حاجةٌ يطلبها الناس لحفظِ ما لديهم من ممتلكاتٍ، في حال سفرٍ أو ما شابه ذلك، ممَّا يحتاجه الناس في حياتهم، وتعرف الوديعةُ على أنها تركُ الشيء عند شخص لا يملكه ليحافظ عليه لفترة معينة، والوديعة مشتقة من الوَدعْ، وهو التّرك، وهي في الشرع تطلق على المال الذي يترك عند شخص لا يملكه ليحفظه دون مقابل[١].


شروط الوديعة

إن للوديعةِ شروطًا يجب توفرها لتكون الوديعة صحيحة، وفيما يأتي توضيح لهذه الشروط[٢]:


1. البلوغ

يجب على المستأمن أن يكون قد بلغ سن التكليف والبلوغ، ليصبحَ مكلَّفًا وتنطبق عليه شروط الوديعة، فتصح الوديعة بذلك، وإلا لا تصحُّ إذا كان المستأمن طفلاً يجهل معنى الأمانة، أو كيفية حفظها.


2. العقل

يجب على المستأمن أن يكون عاقلًا، يستطيع أن يدرك معنى الأمانة والوديعة؛ ليصونها ويحفظها ولتصحَّ بذلك الوديعة.


3. الرشد

يجب على المستأمن أن يكون راشدًا؛ ليدركَ قيمة وأهمية ما يؤتمن عليه ولا يفرّط بها.


مشروعية الوديعة

ذُكرت مشروعيَّةُ الوديعةُ في القرآن الكريم، فالإيداع مشروعٌ ومندوبٌ إليه، لقوله سبحانه وتعالى: "وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"[٣][١].

 

حكم الوديعة

يختلف حكم الوديعة تبعًا لاختلاف الحلات والظروف، وفيما يأتي تفصيل لحكم الوديعة[٢]:


1. متى تكون الوديعة مستحبة ومندوبة؟

وذلك إذا وثق المستأمن من نفسه، وكان قادرًا على حفظ الأمانة.


2. متى تكون الوديعة واجبة؟

وذلك إذا كان المستأمن أمينًا، ولا يوجد غيره لحفظ الأمانة؛ لأنَّ في ذلك مضيعةٌ لمال المؤمنين.


3. متى تكون الوديعة مكروهة؟

وذلك إذا ما خشيَ المستأمنُ من نفسه، فخشي في قبولِه أن تضيع الوديعة.


4. متى تكون الوديعة محرّمة؟

وذلك إذا علمَ المستأمن أنّ فيه ضعفًا وعجزًا في حمل الوديعة، وفي قبوله تعريضٌ لها بالتّلف.


5. متى تكون الوديعة مباحة؟

وذلك إذا كان لا يثق بأمانته، فيستوي عنده القبول أو عدمه.


ما ذكر في أحكام الوديعة

ذكر في أحكام الوديعة أنها إذا تَلفت عند المستأمن دون أن يفرّط بها أو يتعدّ عليها فليس عليه ضمانة بها؛ كأن تتلف الوديعة بين مالِ المستأمن، فلو كان هناك ضمانةٌ على الأمانة لامتنع الناس من قبولها، ويترتّب على ذلك الضرر والتعطل في مصالح الناس[٢].


أمَا إذا اعتدى المستأمن على أمانة الوديعة، أو فرّط في حفظها، فإنّ عليه ضمانٌ من تَلفِها، وحكمه حكم من أتلف مال غيره[٢].


ومن أحكام الوديعة أيضًا أنه على المستأمن أن يحفظَ الوديعة، كما يحفظُ ماله، وأن يصونها من أي تلفٍ أو ضررٍ أو ضياعٍ، فقد أمر الله تعالى بذلك في قوله الكريم "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" [٤]، فكلّ شخصٍ قَبِلَ وديعةً فقد قبل حفظها، وعليه الالتزام بما التزم به[٢].


حكم الودائع البنكية

بالنسبة للودائع البنكية فقد تكلَّم عنها العلماء المعاصرون، وبيَّنوا وفصَّلوا فيها كثيرًا؛ لكن بشكلٍ عام فإن الودائع البنكية في البنوك الربويّة لا تجوز، إلَّا إذا خاف الشخص على ماله من الضياع ولم يجد سبيلًا لحفظها غير ذلك، أو أن يكون الراتب الذي يتقاضاه محولًا عن طريق ذلك البنك ويتوجَّب عليه أن يفتح حسابًا في البنك حتى يستطيع أن يحصِّل ما له من أموال، دون أن يكون له الخيار بالانتقال إلى بنك إسلامي، وإذا استطاع المسلم أن يبتعد عن ذلك كلِّه فهو الأفضل، كما حثَّنا الله سبحانه وتعالى فقال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ"[٥][٦].


المراجع

  1. ^ أ ب الحسين شواط ، عبدالحق حميش (16/4/2014)، "الوديعة"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج "أحكام الوديعة "، الإسلام سؤال وجواب ، 19/5/2001، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.
  3. سورة البقرة ، آية:283
  4. سورة النساء، آية:58
  5. سورة البقرة ، آية:278-279
  6. "حكم فوائد الوديعة "، إسلام ويب، 26/1/2004، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.