تعريف بيع المزابنة

عرّف أهل العلم بيع المزابنة بأنّه: "بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً"، أو "أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ فِي رُؤوسِ النَّخْلِ بِمِائَةِ فَرَقٍ"،[١] ويتّضح التعريف أكثر عند الاطّلاع على تعريف الجمهور للمزابنة في الاصطلاح الفقهي، فقد قالوا: هو "بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخِيل بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْل كَيْلِهِ خَرْصًا"، أي إنّ هذا البيع يتمّ من خلال الظنّ والتقدير، فالخرص بمعنى الظنّ والحدس والتقدير.[٢]


وشرح التعريف هو أن يتمّ تقدير الرّطب الموجود على النّخل بمئة صاع مثلاً عن طريق الحدس والظنّ، ثمّ بيعه بقدر ذلك من التّمر، ويُستخلص من ذلك أنّ البائع في هذه الحالة يبيع شيئاً مجهولاً لا يُعلم عدده ولا كيله ولا وزنه يقيناً بشيءٍ معدودٍ وموزونٍ من جنسه. [٣]


أمثلة على بيع المزابنة

من الأمثلة المشهورة على بيع المزابنة ما يأتي:[٤]

  • أن يبيع رجلٌ ثمر نخله من الرُّطب بتَمْرٍ موزونٍ ومكيل.
  • أن يبيع أحدهم ثمر شجره من العنب بزبيبٍ مكيل.
  • أن يبيع أحدهم ما عنده من الزّرع بطعامٍ مكيل.
  • أن يبيع الرّجل الحبّ في سنبله بحبٍّ أو بُرٍّ مكيلٍ وموزون.[٥]


حكم بيع المزابنة

اتّفق الفقهاء على تحريم بيع المزابنة وعدم صحّته، واستدلّوا بعدّة أحاديث تبيّن نهي النبي عن بيع المزابنة، والنهي يقتضي التحريم، ومن هذه الأحاديث:[٦]

  • ما ثبت عن جابرِ بنِ عبدِ الله -رضي الله عنه- قال: (نَهَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ المُحَاقَلَةِ، والمُخَاضَرَةِ، والمُلَامَسَةِ، والمُنَابَذَةِ، والمُزَابَنَةِ).[٧]
  • ما ثبت عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، والمُحَاقَلَةِ، والمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بالتَّمْرِ في رُؤُوسِ النَّخْلِ).[٨]
  • قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، ولَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ بالتَّمْرِ).[٩]


العلّة من تحريم بيع المزابنة

بيع المزابنة مُحرَّمٌ لأنّه بيعُ معلومٍ بمجهولٍ من جنسه، وهذا يعني وجود التفاضل والرّبا والغبن والجهالة فيه، فقد وقع النهي عن بيع الرطب بالتمر مثلاً لأنّه بيع متفاضلٍ بجنسه، وهذه الأمور محرّمة بنصوص القرآن والسُّنة، أمّا إذا علم البائع والمشتري قدر كلٍّ منهما بيقينٍ ودون وجود جهالة وربا فالبيع حينها جائز.[١٠]


وقد جاء في الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: (الْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ ما في رُؤُوسِ النَّخْلِ بتَمْرٍ بكَيْلٍ مُسَمَّى، إنْ زَادَ فَلِي، وإنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ)،[١١] ويُعلّق الحافظ ابن حجر على الحديث فيقول: "فَثَبَتَ أَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمُزَابَنَةِ أَيْضًا هَذِهِ الصُّورَةُ مِنَ الْقِمَارِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قِمَارًا أَنْ لَا تُسَمَّى مُزَابَنَةً، ... وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْهُ مَا يَدْخُلُهُ من الْقمَار وَالْغرر".[١٢]


سبب تسمية بيع المزابنة بذلك

سُمّي بيع المزابنة بهذا الاسم لأنّه إذا ندم أحد المتبايِعيْن زَبَن صاحبه؛ أي دافعه فيما عقد عليه،[١٣] فالزَّبْن لغةً يعني الدّفع بسبب الجهالة والغبن، فهذا البيع ينتج عنه المدافعة والنّزاع والنّدم،[١٤] لأنّ المشتري قد يُنازع البائع باسترداد حقّه، وفسْخ عقد البيع، ولكنّ البائع قد لا يقبل إلا إمضاء هذا البيع، فيحصل بينهما العداوة.[١٥]



مواضيع أخرى:

ما هو بيع الغرر؟

ما هي شروط البيع

المراجع

  1. صهيب عبد الجبار، الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صفحة 257، جزء 33.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 139، جزء 9. بتصرّف.
  3. توفيق برو، تاريخ العرب القديم، صفحة 251. بتصرّف.
  4. الشيخ فيصل آل مبارك، "بيع المزابنة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2022. بتصرّف.
  5. عبد العزيز الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 6، جزء 28. بتصرّف.
  6. "حُكمُ بَيعِ المُزابَنةِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2022. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2207، صحيح.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2186، صحيح.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2183، صحيح.
  10. ابن الجلاب، التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس، صفحة 106، جزء 2. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1542، صحيح.
  12. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري لابن حجر، صفحة 384، جزء 4.
  13. توفيق برو، تاريخ العرب القديم، صفحة 251. بتصرّف.
  14. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 139، جزء 9. بتصرّف.
  15. الشيخ فيصل آل مبارك، "بيع المزابنة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2022. بتصرّف.