اهتم الإسلام بالأخلاق الفاضلة اهتمامًا شديدًا، كما حرص على دعوة المسلمين إلى التجمل بها على اختلافها وتنوعها؛ لما لها من آثار إيجابية كبيرة على الفرد والمجتمع، ومن الأخلاق الكريمة التي يحثنا عليها العفو؛ كما في قوله تعالى: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [١]، فالعفو قيمة عظيمة وخلق كريم يتسم به المسلمون ويحرصون عليه رغبةً بالأجر العظيم من الله تعالى وطمعًا في الفوز برضا الله تعالى ودخول الجنة التي وعد الله تعالى عباده المتقين الذين يتحلون بالأخلاق الكريمة في حياتهم العملية، ونحن في مقالنا هذا سنسلط الضوء على آثار العفو التي تنعكس على الفرد والمجتمع.


آثار العفو على الفرد

فيما يأتي عرض لأبرز آثار العفو على الفرد والتي تظهر جليًّا عند تطبيقه:

  1. يؤدي العفو إلى راحة نفس الفرد، إذ تصفو نفسه من الضغينة، كما أن الشخص عندما تنشغل نفسه بالإساءة تزداد الأحقاد وتتوه الأنفس في تتبع ذلك، وعندما يعفو الشخص تزول هذه الأحقاد جميعها وتصفو نفسه ويكون أكثر راحة لأنه لن يفكر بالطريقة التي سيعامل بها فلانًا الذي أساء له إذا التقى به صدفة أو كيف سيتصرف إذا ذُكر اسمه أمامه. [٢]
  2. يؤدي إلى نيل رضا الله تعالى؛ وذلك إذا نوى به المسلم مرضاة الله تعالى، وهذا مرتبط بالأخلاق جميعها وأعمال المسلم إذا نوى بها الأجر والثواب من الله تعالى، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى" [٣][٤]
  3. يشعر المسلم بالعزة، ودليل ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم: "وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا". [٥]
  4. يكون العفو سببًا للتقوى، إذ يترفع المسلم عن الدنيا ويقدم ما عند الله تعالى من الخير والأجر العظيم فيعظُم عنده حب الله تعالى. [٦]


آثار العفو على المجتمع

ينعكس العفو على المجتمع بالآثار الطيبة الآتية:

  1. يؤثر في زيادة تماسك المجتمع على اختلافه وتنوعه، فعندما يعفو الناس عن بعضهم بعضًا فإنهم يزيدون بذلك روابط المحبة والألفة بينهم، فلو تخيلنا على سبيل المثال حدوث سوء تفاهم بين جار وجاره فعفا أحدهما عن الآخر سنرى أن علاقات الجيران ستزداد قوة ومتانة. [٧]
  2. يؤدي العفو إلى تشجيع غير المسلمين على الدخول في الإسلام، ويزيد من حبهم للإسلام والمسلمين، وهذا عند تعامل المسلمين بالعفو مع غير المسلمين، ومثال ذلك عفو مسلم عن غير مسلم في موقف ما مع قدرة المسلم على المطالبة بحقه، ولكنه قدم العفو، وسنجد أن هذا الخلق سيلفت نظر غير المسلم إلى الإسلام ويحببه بالإسلام والمسلمين. [٨]
  3. يزيد محبة الناس ويزيل التنافر بين قلوبهم، وهذا على عمومه، فالعفو توثيق لأواصر الحب والود بين الناس بإزالة أسباب الخلاف والحقد فيما بينهم. [٩]




هذه بعض الآثار العظيمة التي تظهر على الفرد الذي يعفو، وكذلك على سائر أفراد المجتمع، مما يحقق بذلك وظيفتنا التي خلقنا لأجلها وهي عمارة الكون مع عبادة الله تعالى، فالتزام المؤمنين بالأخلاق في تعاملاتهم لا يثمر إلا خيرًا، لذلك يجب أن نحرص على تطبيق خلق العفو في حياتنا العملية ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.




العفو عند النبي صلى الله عليه وسلم

إن العفو من الأخلاق الرفيعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا يتمثله في حياته العملية وتعاملاته مع الآخرين وحتى المشركين منهم، وكما يروي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "...ولَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بالسَّيِّئَةِ، ولَكِنْ يَعْفُو ويَصْفَحُ" [١٠]، وفي ذلك وصف للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يعفو ويصفح عن الآخرين في تعاملاته معهم ولا يقابل الإساءة بمثلها. [١١]


إن التعاملات اليومية المختلفة بين الناس يمكن أن تتسبب بما يعكر صفو العلاقات والنفوس؛ وذلك نظرًا لاختلاف الناس واختلاف وجهات النظر بينهم وتعارض الرغبات والمصالح، ومن هنا تظهر أهمية العفو بين الناس ليتمكنوا من متابعة أحداث الحياة بلا معكرات، ويقول تعالى: "فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" [١٢]، وفي هذه الآية دعوة للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوة لنا كذلك بأن نعفو ونصفح عن الآخرين عند تعرضنا للإساءة وألا نقابل السيئة بمثلها، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة عندما دخلها فاتحًا منتصرًا وقد كانت لهذا العفو آثار عظيمة. [١١]


العفو مستحب وليس واجبًا

إن العفو خلق مستحب حبب الإسلام به ورغب فيه، وهو ليس واجبًا، فيباح للمؤمن أن يطالب بحقه أو بإيقاع العقوبة على الشخص الذي أساء إليه، فلا يعني العفو والترغيب فيه أن يكون المسلم ضعيفًا أو مهزومًا بل بالعكس تمامًا؛ فالعفو يجب أن يكون عند المقدرة، وهنا يكمن الفضل في التجاوز، وتكون الرفعة والقدر والأجر لمن فضل العفو على المعاملة بالمثل. [١٣]


المراجع

  1. سورة النور، آية:22
  2. "فوائد العفو والصفح "، طريق الإسلام ، 11/4/2014، اطّلع عليه بتاريخ 14/7/2021. بتصرّف.
  3. رواه أبو نعيم، في حلية الأولياء، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:8/43.
  4. "فوائد العفو والصفح "، طريق الإسلام ، 11/4/2014، اطّلع عليه بتاريخ 14/7/2021. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2588.
  6. "فوائد العفو والصفح "، طريق الإسلام ، 11/4/2014، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2021. بتصرّف.
  7. عبد المجيد السعيد النجار (13/9/2012)، "العفو وأثره في تماسك المجتمع ونهضة الأمة"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2021. بتصرّف.
  8. عبد المجيد السعيد النجار (13/9/2012)، "العفو وأثره في تماسك المجتمع ونهضة الأمة"، الألوكة ، اطّلع عليه بتاريخ 13/7/2021. بتصرّف.
  9. حمزة محمد قاسم ، كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، صفحة 56. بتصرّف.
  10. رواه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، في صحيح البخاري، عن عطاء بن يسار، الصفحة أو الرقم:4838.
  11. ^ أ ب "نماذج في العفو "، الدرر السنية ، اطّلع عليه بتاريخ 14/7/2021. بتصرّف.
  12. سورة الزخرف، آية:89
  13. "العفو والصفح غير واجب، بل مرغّب فيه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/7/2021. بتصرّف.