تعريف حق الشفعة

عرّف جمهور الفقهاء حقّ الشّفعة بأنه: "حق تملُّكٍ قهريٍّ يثبت للشريك القديم على الحادث، فيما ملك بعوض"؛ أي يستحقّ فيه الشريك أن يأخذ ما عاوض به شريكه من العقار بقيمته أو ثمنه، ويثبت حق الشفعة عند الجمهور للشريك فقط، بينما يثبت للشريك والجار عند الحنفية، إذ عرّفوا حقّ الشفعة بأنه استحقاق الشريك أو الجار بتملّك العقار جبراً عن المشتري بما قام عليه من النفقات والتكاليف؛ دفعاً لضرر الشريك أو الجار الدخيل، وقد حصر الفقهاء الأربعة هذا الحقّ بالعقار فقط.[١]


والخلاصة هي أنّ الشريك يستحقّ أن يأخذ حصّة شريكه من يد مَن اشتراها، ويضمّها إلى ملكه بنفس الثمن الذي أخذها فيه المشتري عند العقد؛ دفعاً لضرره بالشراكة، وقد كان هذا الحقّ معروفاً عند العرب قديماً، فإذا أراد الشريك أن يبيع منزله أو حائطه جاءه الشريك أو الجار يشفع إليه فيما باع، فيشفّعه ويجعله الأولى به، ولا يحقّ للشريك أن يبيع نصيبه من العقار دون أن يُخبر شريكه، فإن رفض بيعها لغريبٍ فهو أحقّ بها، وإن أذِن له بذلك سقط حقّه بالمطالبة به بعد البيع.[٢]


حكم حق الشفعة

الشّفعة حقٌّ يثبت للشريك في الإسلام، وله أن يطالب بحقّه أو يتركه، وقد ثبت هذا الحقّ في السنّة والإجماع، ولا يجوز التّحايل لإسقاطها، ويرى بعض فقهاء الشافعية استحباب الأخذ بالشفعة إذا عُرِف عن المشتري الفجور والفسق، بل قالوا بوجوب ذلك إن تيسّر طريقاً لدفع ضرره وما يريده من الفجور، لأنّ ترك الشفعة هنا يترتّب عليه معصية، أمّا أدلّة مشروعية حقّ الشفعة للشريك فهي:[٣]

  • ما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: (قَضَى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- بالشُّفْعَةِ في كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ، أَوْ حَائِطٍ، لا يَحِلُّ له أَنْ يَبِيعَ حتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فإنْ شَاءَ أَخَذَ، وإنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهو أَحَقُّ بهِ).[٤]
  • قال ابن المنذر: "أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُقَاسِمْ فِيمَا بِيعَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ حَائِطٍ".


الحكمة من مشروعية حق الشفعة

إنّ مراعاة المصالح من مقاصد الشريعة المعتبرة، وحُسن العشرة يقتضي على الشريك أو الجار أن يرعى مصلحة شريكه أو جاره، ولمّا كانت الشركة منشأ ضررٍ في الغالب، وكان العديد من الجيران والشركاء يبغي بعضهم على بعض، كان لا بدّ من دفع الضرر بحقّ الشفعة، وقد تعدّدت آراء الفقهاء في المقصود بهذا الضرر، ونذكر أقوالهم فيما يأتي:[٥]

  • القول الأول: شُرِع حقّ الشفعة لدفع ضرر القِسمة، وبذلك فهي لا تثبت للجار، بل تثبت في كلّ ما يقبل القسمة بين الشركاء، وهو قول الشافعية والحنابلة وأحد قوليّ المالكية.
  • القول الثاني: شُرِع حق الشفعة لدفع ضرر الدخيل وضرره، فتثبت للجار أيضاً كما تثبت للشريك، وهذا عند الحنفية فقط؛ لأنّ أذى الجار مشتركٌ في المرافق، وإعلاء الجدار، وإيقاد النّار، وإيقاف الصّغار والداوب، وإثارة الغبار، ونحوها من الأمور، فثبتت مشروعيّتها لدفع ما ينشأ من الأذى والضرر من سوء الجوار.
  • القول الثالث: شُرع هذا الحقّ لدفع ضرر الشركة، فالشريك أحقّ بنصيب شريكه من الأجنبي إذا أراد بيعه، لأنّ الشريك الأول بذلك يُزيل الضرر عن صاحبه، فيأخذ هو الثمن كما أراد، ويتملّك صاحبه البيع كما أراد، فيُدفع الأذى عنهم جميعاً، وهي تثبت للشريك فقط دون الجار، وهو قول الحنابلة وأحد قوليّ المالكية.


أركان الشفعة وشروطها

يرى جمهور الفقهاء أنّ أركان الشفعة ثلاثة، وهي: الشفيع؛ أي مَن يُطالب بالشفعة، والمشفوع عليه؛ وهو مشتري العقار أو المأخوذ منه، والمشفوع فيه؛ وهو العقار الذي يُريد الشفيع أن يأخذه ويشتريه ليتملّكه بالشفعة، وقد زاد المالكية شرطاً رابعا؛ وهو الصّيغة، أمّا الحنفيّة فقالوا: ركن الشفعة هو: "أخذ الشفيع من أحد المتعاقدين عند وجود سببها وشرطها"؛ أمّا الشرط فهو: أن يكون المحلّ عقاراً، وأمّا السبب فهو: اتّصال الملك بسبب جوارٍ أو شركة.[٦]


أمّا شروط حقّ الشفعة فهي:[٧]

  • أن لا يكون العقد فاسداً، فلا تثبت الشفعة في الشراء الفاسد، ولا بدّ أن يكون العقد صحيحاً.
  • أن يكون العقد عقد معاوضة؛ مثل البيع وما في معناه.
  • أن يخرج العقار من ملك صاحبه خروجاً لا خيار فيه.
  • أن يُبادر الشفيع بطلب الشفعة دون تأخير، وأن لا يصدر عنه ما يُشبه الرضا ببيع العقار لمدّة طويلة بدون عذر، وإلا سقط حقّه في طلب الشفعة.

المراجع

  1. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 4886، جزء 6. بتصرّف.
  2. "الشُّفعة وأحكامها"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 19/2/2023. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 136-137، جزء 26. بتصرّف.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1608، صحيح.
  5. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 167-169، جزء 10. بتصرّف.
  6. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 4888، جزء 6. بتصرّف.
  7. أ. د. الحسين شواط و د. عبد الحق حميش، "الشفعة (تعريفها - مشروعيتها - حكمتها - شروطها - أحكامها)"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 19/2/2023. بتصرّف.