ثمرات غض البصر على الفرد

غض البصر يعني كفّ النظر عمّا حرّمه الله -تبارك وتعالى-، وعلى المسلم أن يحرص على التحلّي بهذا الخلق مع مَن يعرفه ومَن لا يعرفه، فلا يقتصر ذلك في الخارج، بل هو أدبٌ مهمٌّ من آداب الاستئذان أيضاً، وله الكثير من الثمرات التي تعود على الفرد والمجتمع، ونذكر أبرزها فيما يأتي:


امتثال أمر الله تعالى

أمر الله -تعالى- عباده بغضّ البصر، فقال -سبحانه-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ...)،[١] فغضّ البصر فيه امتثالٌ لِما أمر به الخالق -سبحانه-، ويدلّ على إيمان العبد وتقواه؛ ذلك أنّ إطلاق البصر في كثيرٍ من الأحيان يكون نابعاً من هوى الشخص وشهواته وفضوله غير المبرّر، وكفّه يدلّ على تقوى صاحبه واستشعاره لمراقبة الله له.[٢]


الأجر والعوض من الله تعالى

إنّ العبد الذي يحرص على مخالفة هواه وغضّ بصره ابتغاء مرضاة الله يعوّضه الله -تعالى- خيراً وسروراً، ومن ذلك إطلاق بصيرته وزيادة وقاره، فالجزاء من جنس العمل، ومَن حبس شهوته وكفّ لذّته مع ما فيها من المسرّة المؤقتة عوّضه الله بلذَّةٍ أعظم، لِذا قال بعض الصالحين: "والله لَلَذَّةُ العفةِ أعظمُ من لذة الذنب"، والله -جلّ في علاه- يقول: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).[٣][٤]


تعظيم قدر الله في النفس

يكون تعظيم قدر الله في نفس المسلم عند غضّ بصره من خلال استشعاره لمراقبة الله -تعالى- له، فهو الذي يعلم خائنة الأعين، وهو المطّلع على حال عباده بدقّة، وربّما كان المرء يمشي مع أحدٍ في الطريق ولا يشعر بخائنة عينه، ومسارقة نظره إلى ما لا يحلّ له، لكنّ الله مطّلع على ذلك كله ولا تخفى عليه خافية، لذلك قال -سبحانه-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)،[٥] وقال: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).[٦][٧]


ثمرات أخرى لغض البصر

ثمرات غضّ البصر كثيرةٌ لا يسع المقام لذكرها هنا، ونذكر أبرز الثمرات الأخرى فيما يأتي:[٨]

  • سببٌ للبصيرة وحلاوة الإيمان والشعور بلذّة الانتصار على هوى النّفس.
  • حماية المسلم من العذاب في الآخرة.
  • سببٌ لقوة العقل وزيادة تركيزه على الأولويات المهمّة في الحياة.
  • تخليص المرء من أَسْر غفلته وشهوته الناتجة من إطلاق البصر.
  • تخليص القلب من شعور الحسرة الناتج عن عدم الرضا بما بين يديه، وهذا أثرٌ من آثار القناعة والرّضا وعدم الغفلة عن شكر النِّعم الموجودة.


ثمرات غض البصر على المجتمع

إنّ لغض البصر ثمراتٍ عديدة تعود على المجتمع بالخير أيضاً، ونذكر أهمّها فيما يأتي:


حفظ المجتمع من الفتن والمعاصي

غضّ البصر أحد أهمّ أسباب صيانة المجتمع وتحصينه وحفظه من الفساد والمحرّمات، ذلك أنّ إطلاق البصر على كلّ ما هبّ ودبّ له العديد من الآثار السيّئة، وقد يؤدّي إلى شيوع الزّنا ومقدّماته بين الجنسين، لِذلك أمر الله -تعالى- بعضّ الأبصار قبل حفظ الفرج، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "... فَإِنَّ الْحَوَادِثَ مَبْدَؤُهَا مِنَ الْبَصَرِ، كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، فَتَكُونُ نَظْرَةٌ، ثُمَّ تَكُونُ خَطْرَةٌ، ثُمَّ خُطْوَةٌ، ثُمَّ خَطِيئَةٌ".[٩]


ويقول أيضاً: "وَأَكْثَرُ مَا تَدْخُلُ الْمَعَاصِي عَلَى الْعَبْدِ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ"، ونجد هذا التوجيه في السنّة النبوية الشريفة في قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ فإنَّ لَكَ الأولى وليست لَكَ الآخرةُ)،[١٠] وجاء في الشِّعر:[٩]


كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ

وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ


كَمْ نَظْرَةٌ بَلَغَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا

كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ


حفظ البيوت والأسر وتماسكها

إنّ إطلاق بصر أحد الزوجين عن الآخر في المُحرَّمات ينتج عنه العديد من الآثار السلبية والنّزاعات بين الزوجين، لشعور الطّرف الآخر بعدم كفايته رغم عدم تقصيره، وقد هُدمت العديد من البيوت بسبب ذلك، فلا شكّ أن غضّ البصر ومراعاة حقّ الله -تعالى- في الآخر له أثرٌ عظيمٌ في دوام المودّة والرحمة بين الزوجين، واستقامة العشرة، وعفّ النّفس عن الحرام.[١١]


تهذيب وتزكية المجتمع

لقد شاع في العديد من المجتمعات أنّ الانفتاح وإطلاق البصر والاختلاط وإقامة العلاقات والصداقات بين الجنسين من الأمور التي تُحسّن نفسية الإنسان، وتُزيل الكبت، وتُجنّبه العقد النفسية، ولكنّ النتيجة كانت عكس ذلك كلّه، بحيث انتشرت الأمراض النفسية، والبدنية، والشذوذ، والعُقد، ونحو ذلك، وهذا لا يدلّ إلا على حِكمة الله الخبير -عز وجل- لمّا شرع غضّ البصر والحجاب، ونهى عن الاختلاط المحرّم والخلوة، فكلّ هذه الاحترازات تصبّ في مصلحة الأفراد والمجتمعات.[١٢]

المراجع

  1. سورة النور، آية:30-31
  2. أحمد حطيبة، تفسير أحمد حطيبة، صفحة 2، جزء 79. بتصرّف.
  3. سورة يوسف، آية:90
  4. محمد إبراهيم الحمد، دروس رمضان، صفحة 128-129. بتصرّف.
  5. سورة غافر، آية:19
  6. سورة النور، آية:30
  7. مصطفى العدوي، سلسلة التفسير، صفحة 2، جزء 35. بتصرّف.
  8. "تكريم النظر بغض البصر"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2023. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ابن القيم، الداء والدواء، صفحة 152-153. بتصرّف.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم:2777، حسنه الألباني.
  11. بكر البعداني، "من فوائد وثمرات غض البصر"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2023. بتصرّف.
  12. "تعاليم الإسلام تهذيب وتزكية للمجتمع المسلم"، الموقع الرسمي للشيخ محمد المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 26/1/2023. بتصرّف.