يعيش الإنسان في هذه الحياة، ويتقلّب في أيامها ولحظاتها تقلُّبًا مستمرّاً، فتارةً يكون سعيدًا مرتاح البال والخاطر، وتارةً يكون حزينًا، فأقدار الله سبحانه وتعالى على العبد المسلم تتنوّع وتتبدَّل، وعليه ينبغي على الواحد منّا أن يرضى بما كتبه الله له، وما كتبه الله عليه، فإذا كان العبد على قناعةٍ بأنَّ أقدار الله سبحانه وتعالى كلُّها فيها خير له، كان العبد طيِّب النفس مرتاح البال، ولهذ السَّبب دعانا الدين الحنيف إلى أن نتَّسم بالقناعة وأن نأخذها نهجًا نسير عليه، لما فيها من الخير العظيم، والنَّفع الكبير، وقد قال في ذلك صلّى الله عليه وسلم: "قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ".[١]


فالقناعة تعني أن يكون العبد راضيًا بما قسمه الله له، حتى وإن كان لا يكفيه ما قد قُسم، فيكتفي العبد بما هو بين يديه، ولا يطمع بما ليس موجودًا عنده، [٢] وليست القناعة هي الرِّضا بالقليل والدّون وحياة الهون، وإماتة الرغبة والطُّموح عن معالي الأمور، كما يظنُّ البعض اليوم؛ لكن لا ينبغي للعبد العيش دائمًا بتمني ما ليس عنده، بل عليه أن يسعى لما يريد وأن يرضا بما أعطاه الله.


آثار القناعة على حياتنا

للقناعةِ أثرٌ عظيمٌ على نفس الإنسان، فهي صفةٌ زكّاها الله عز وجل، وحثّت عليها الشّريعة الإسلامية، ومن الآثار التي تنتنج عن القناعة ما يلي:[٣]

  • زيادة الإيمان بالله في القلب، واليقين به، والرّضا بما كتبه للعبد من رزقٍ في قدره، فيكون المسلم القنوع على ثقةٍ بأنّ الله هو الرّزاق، ولا أحد كريمٌ وذو مِنّة وفضلٍ عليه سوى الله.
  • التنعم بالحياةُ الطيّبة دون كدرٍ في العيش، وفي المسارعة خلف الدّنيا، والرّضا واليقين بأنّ الدّنيا هي دارُ انتقالٍ وليست دار استقرارٍ، فيتولد عند الإنسان شعورٌ بالرّضا والطّمأنينة، فسّره العلماء بالقّناعة؛ لخلوّها من المسارعةِ خلف الدُّنيويّات، فتطيب النّفسُ بذكر الله وما هو متاح لها.
  • شُكر النّعم، فإذا قنعَ العبد طاب قلبه، ولان لسانه، وأدركَ بصره نعمَ الله عزَّ وجل، فينطلقُ لسانه بالشكر لله على ما أنعم وأكرم من نعمٍ خفيّة لا تحصى من لطف الله على عباده ورحمته بهم.
  • اجتنابُ الذنوب التي تصيب القلب، فالقناعة تُغني صاحبها عن ذنوبٍ عظيمةٍ تلوث قلب صاحبها؛ كالحسد، والضغينة، والكره، وهذه ليست من صفاتِ المسلم القَنوع بما قسمه الله له.
  • الفوز بالغنى والعزّ، وقد استدل العلماء على ذلك بقوله تعالى: "وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى"،[٤] أي أغنى نفسهُ وقنَعها، فالقناعة تنبت في قلب صاحبها العزّة، كما ينبت الذُّل في القلوب الطامعة.
  • الاستغناء عن الخلق، فمن قَنع بزاده ورزقه سواء أكان زهيدًا أو كثيرًا، لم يحتَجْ عبدًا قط، بل إنه يسلِّم حاجته ورزقه لله عز وجل، رضًا وتسليمًا للطفه وتقديره.


طرق اكتساب القناعة

إذا اتصلت قناعة العبد بإيمانه كانت طريقًا له إلى الفلاح والنجاح، وطوق نجاةٍ له، ففي حديث الرَّسول صلى الله عليه وسلم عن ربط الغنى بالقناعة، قال صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الغِنَى عن كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ"،[٥] ويمكن للإنسان اكتساب القناعة بأمور عديدة منها ما يأتي:[٦]

  • الرضا بقضاء الله وقدره، والتّسليم لأوامره، فالإنسان يسلِّم بأنّ الله هو المعطي والمانع، وأنّ خيرَ تقديرٍ للإنسان هو تقديرُ الله له.
  • تدريب النفس على القناعة، إلى أن تصبح خصلةً من خصالها، وسجيَّة أصيلةً فيها.
  • تذكير النفس بأن القناعة صفةُ الشّخص القويّ، فلا يكون الشّخص قويًّا دون قناعةٍ تعزّز نفسه، وإلّا فإنه يكون طماعًا ذليل النفس.
  • إدراك الإنسان أن الطّلب والتّمني لما هو عاجز عنه أمر مذمومٌ شرعًا، فقد قال الله تعالى: "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ".[٧]


أسباب تمنع الوصول إلى القناعة

فكما أنَّ بعض الأسبابٌ تجتمع في قلبِ الرّجل فتقنعه وتغني نفسه، توجد أسبابٌ إن اجتمعت بالرّجل تحول به بينه وبين غناه، وتجرُّه إلى الطّمع والطّلب، وضيق البصر في الرّزق، ومن تلك الأسباب ما يأتي:[٨]

  • منازعةُ الشّهوة وطلبها، وطلب الدّنيا وملذّاتها، فكلما قلّت أو بَعُدت ازداد ضيقًا في طلبها.
  • طلب الزّيادة في الدّنيا، والزيادة في المال والرّزق، والسَّعي الغافل خلفه؛ طمعًا في زيادة دنياه، وإشباعاً لرغباته وشهواته، أمَّا من طلب الزّيادة طلبًا للخير وتسليمًا لأمر الله، فهذا لا حرج فيه لمن سلّم بأنّ الرّزق بيد الله، والمال لا يغني إن لم يغنِ الله النفس عن شهواتها.
  • طلب الزيادة في الدّنيا ونعيمها للتفاخر والتكبّر أمام النّاس، فهذا من المُحرّمات، ومن أفعال قارون من قبل، وهو ما نهى الله عنه في قوله: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ".[٩]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1054.
  2. "معنى القناعة لغة واصطلاحاً"، طريق الإسلام ، 8/5/2014، اطّلع عليه بتاريخ 12/8/2021. بتصرّف.
  3. إبراهيم الحقيل ، القناعة مفهومها منافعها، صفحة 5-8. بتصرّف.
  4. سورة الضحى، آية:8
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:6446.
  6. "أنجح الوسائل لاكتساب القناعة "، إسلام ويب ، 30/6/2003، اطّلع عليه بتاريخ 12/8/2021. بتصرّف.
  7. سورة النساء ، آية:32
  8. "موانع اكتساب القناعة"، الدرر السنية. بتصرّف.
  9. سورة التوبة، آية:34