دائمًا ما تكون الحكمة واضحة من الآداب الشرعية والتعاليم الدينية، كيف لا وقد جاء الإسلام منظِّمًا لحياة الإنسان، وبالتالي كانت التشريعات تخدم القصد من الإسلام، ومن ضمن الآداب المهمة التي جاءت مفصلة في القرآن والسنة هي آداب الاستئذان التي تُعنى بحفظ خصوصية المسلمين وتجعل احترامهم الركيزة الأساسية التي تستند عليها آداب الاستئذان، وقد يظن البعض أن آداب الاستئذان مقتصرة على دخول الضيوف على أهل البيت، لكنها في الحقيقة تشمل ما هو أكثر من ذلك، من استئذان لدخول غرفة مغلقة داخل البيت نفسه، أو استئذان للخروج من بيت المضيف أو من اجتماع عمل، ولتكون آداب الاستئذان واضحة ومفهومة سنحرص في هذا المقال على عرض أهمها بطريقة مبسطة.


جاءت كلمة استئذان في اللغة من الإذن، وتعني الإعلام كما في قوله تعالى: "وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ" [١]، ونقول أذِن للشخص أي سمح له، أما استأذن فتعني طلب الإذن، ويمكن تعريف الاستئذان اصطلاحًا على أنه طلب الإذن وانتظار السماح بالدخول إلى مكان خاص، ومن الجدير بالذكر عند تعريف الاستئذان أن نقول بأن للاستئذان آدابًا وشروطًا، وهذا ما سنعرضه فيما يأتي: [٢]


1. عدم الدخول قبل الاستئذان

وهذا الأدب هو أساس الاستئذان، ولا يمكن تطبيق أي أدب آخر من آداب الاستئذان دون الالتزام به، كما ورد في كتاب الله نهي عن دخول أي بيت دون استئذان، وذلك في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا" [٣]، والنهي هنا يفيد التحريم، وبذلك يكون حكم دخول البيوت دون إذن حرام شرعًا؛ لما يترتب على ذلك من اطلاع على العورات وانتهاك للخصوصية. [٤]


2. تقديم السلام على طلب الإذن

والصورة التي تتصدر أذهاننا في هذا الأدب هي الوقوف بالباب وقول السلام عليكم قبل طلب الدخول، ولكن في يومنا هذا قد يعني ذلك بدء المكالمة الهاتفية بالسلام قبل الاستئذان بالزيارة، أو كتابة السلام عليكم في أول الرسالة النصية قبل طلب إذن بشيء ما، ويمكننا الاستدلال على هذا الأدب بالكثير من الأحاديث والآيات ومنها ما رُوي عن رجل من بني عامر أنه استأذن على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ فقال ألِجُ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لخادمِه: اخرُجْ إلى هذا فعلِّمْه الاستئذانَ، فقل له: قلْ: السلامُ عليكم أأدخُلُ؟ فسَمِعَه الرجلُ، فقال: السلامُ عليكم، أأدخُلُ؟ فأذن له النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فدخل. [٥][٤]


3. الوقوف عن يمين الباب أو شماله

في حال الاستئذان لدخول بيت يجب الوقوف عن يمين باب البيت أو شماله؛ وذلك لتجنب الاطلاع على أي عورة أو شيء داخل البيت عند فتح الباب، وإن الوقوف في مقابلة الباب مباشرة يتنافى مع المغزى من الاستئذان وهو غض البصر وحفظ العورات، ويمكن الاستدلال على ذلك الأدب من حديث عن الله بن بسر: "كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إذا أتى بابَ قومٍ؛ لمْ يستقبلِ البابَ منْ تلقاءَ وجهِهِ، ولكن منْ ركنهِ الأيمنِ، أو الأيسرِ، فيقول: السلامُ عليكمْ، السلامُ عليكمْ؛ وذلك أنَّ الدورَ يومئذٍ لمْ تكنْ عليها سُتورٌ. [٦][٧]


4. الاكتفاء بالاستئذان ثلاث مرات

فقد روى أبو موسى الأشعري عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "الاستئذانُ ثَلاثٌ، فإن أذنَ لَكَ وإلَّا فارجِعْ" [٨]، لأن طرق الباب ثلاث يعد كافيًا لإسماع من في البيت، مع ترك وقت مناسب بين كل طرقة والأخرى، وإذا أردنا أن نسقط هذا الأدب على يومنا هذا، فيمكننا أن نقول أن الاتصال بشخص يكفي أن يكون لثلاث مرات أو أقل في حال لم يرد، أو حتى في إرسال الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ذكر الرجوع في الحديث الشريف بكل بساطة، وهذا يشير إلى حق أهل البيت في عدم الإذن أو عدم فتح الباب دن أن يخلق الأمر أي عداوة؛ فالاستئذان طلب إما أن يجاب وإما أن يُرفَض. [٤]


5. طرق الباب أو قرع الجرس بلطف

فمن سوء الأدب طرق الباب بقوة شديدة، أو قرع الجرس لمرات متكررة ومتواصلة؛ لما في ذلك من إفزاع لأهل البيت، كما أن ذلك يتعارض مع الاستئذان ثلاث مرات والذي يرتكز على ترك وقت بين الطرقة والأخرى، ويتضمن أيضًا الطرق والقرع بأدب وهدوء. [٧]


6. تعريف المستأذن بنفسه بوضوح

فعند سؤال أهل البيت عن هوية المستأذن يجب أن يصرح باسمه بوضوح، لا أن يقول أنا، ويستدل على ذلك بما رواه جابر بن عبد الله: "أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَيْنٍ كانَ علَى أبِي، فَدَقَقْتُ البَابَ، فَقالَ: مَن ذَا؟ فَقُلتُ: أنَا، فَقالَ: أنَا أنَا! كَأنَّهُ كَرِهَهَا" [٩]، كما يدخل في ذلك التعريف بالنفس في المكالمات في حال الاتصال من رقم جديد أو مختلف، وأيضًا التعريف بالنفس في الرسائل النصية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. [٧]


7. الرجوع في حال عدم السماح بالدخول أو عدم الإجابة

فمن الضروري أن يتلقى المسلم الرفض أو عدم الرد بصدر رحب؛ فقد يكون أهل البيت غير موجودين أو غير مستعدين لاستقبال الضيوف، كما قد يكون صاحب الهاتف الذي يرن مشغولًا أو لا يستطيع الرد لسبب نفسي أو مادي، لذلك يجب التماس الأعذار للآخرين، وفي سياق الحديث عن الرجوع في حال عدم الإذن يجب تذكر أن الاستئذان هو طلب الدخول إلى مكان خارج ملكية الشخص أو مساحته الخاصة، لذلك ليس له الحق بالغضب في حال عدم قبول طلبه، ونستدل على ذلك من قوله تعالى: "فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" [١٠].


8. الاستئذان عند الخروج

وهذا الأدب مهم لاحترام المضيف وتقديره، فمن غير اللائق أن يقوم الضيف من مكانه دون أن يستأذن صاحب البيت بالخروج ويشكره على حسن الاستقبال، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا زارَ أحدُكُمْ أخاهُ فجَلَسَ عِندَهُ، فَلَا يَقُومَنَّ حتى يَسْتَأْذِنَه" [١١][٧].


9. الاستئذان على المحارم

ويعني ذلك الاستئذان قبل الدخول على الأم أو الأب أو الأخت أو الأخ وغيرهم من المحارم؛ وفي ذلك دليل على أن الاستئذان لا يكون فقط على غير المحارم، بل للمحارم أيضًا خصوصية لا يجب انتهاكها، فيستأذن الأخ على أخته والابن على أمه والعكس، ونستدل على ذلك مما رواه مسلم بن نذير: "سألَ رجلٌ حُذَيْفةَ: أستأذِنُ علَى أمِّي قالَ: إن لَم تستَأذِنْ علَيها رأيتَ ما تَكْرَهُ". [٧]

10. طلب الاستئذان من الأطفال

إذ إن الاستئذان يشمل استئذان الأطفال على الأبوين داخل المنزل؛ وذلك حفظًا للخصوصية وتعويدًا للأطفال على أدب الاستئذان، وقد بينت الآية التالية تفصيلًا لهذا الاستئذان: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [١٢].


المراجع

  1. سورة التوبة، آية:3
  2. "آداب الاستئذان"، موقع الشيخ محمد صالح المنجد. بتصرّف.
  3. سورة النور، آية:27
  4. ^ أ ب ت "آداب الاستئذان في الإسلام"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  5. رواه الألباني، في صحيح أبي داوود، عن رجل من بني عامر، الصفحة أو الرقم:5177.
  6. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبد الله بن بسر، الصفحة أو الرقم:4597.
  7. ^ أ ب ت ث ج "آداب الاستئذان"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:2690.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:6250.
  10. سورة النور، آية:28
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:583.
  12. سورة النور، آية:58