الغبن الفاحش

تعريفه وحكمه

يُعرف الغبن لغةً بأنّه النقص، ويُعرف الغبن الفاحش اصطلاحاً؛ بأنّه بيع السلعة بأكثر مما جرت عادة الناس على بيعها؛ فينتج عن ذلك تضرر -غبن- المشتري؛ كما يكون الغبن الفاحش بأنّ يتمّ شراء السلعة أقل بكثير من ثمنها؛ فيتضرر البائع من ذلك، فيكون الغبن مما لا يُحتمل غالباً، سواء بزيادة الثمن أو بإنقاصه على نحوٍ مبالغ فيه.[١]


ولقد اتفق أهل العلم على تحريم الغبن الفاحش؛ لأنّه نوع من أنواع الغش والخداع المحرّم والمنهي عنه، أما الغبن اليسير فلا بأس به؛ لأنّ معاملات الناس بيع وشراء لا تكاد تخلو منه؛ كما لا يمكن الاحتراز منه، ولو قيل بتحريمه ما نفذ البيع، ولا جرت معاملات الناس، ولا يُؤثر هذا القدر اليسير على صحة البيع أو الشراء؛ إنّما يُؤثر القدر الفاحش منه على صحة المعاملات.[٢]


معيار الغبن الفاحش

تعدد أقوال أهل العلم في ضابط التمييز بين الغبن اليسير والغبن الفاحش؛ ويمكن تلخيص ما ذهبوا إليه على النحو الآتي:[٣]

  • أنّ الغبن اليسير يمكن أن يُقدّره المختصون والمقومون وفق ما جرت عليه عادة الناس، بينما الفاحش لا يدخل تحت تقويم المقومين، وكان خارجاً عمّا تعارف عليه الناس، وتعاملوا به؛[٤] وبه قال الحنفيّة؛ مثالاً على ذلك أن يشتري أحدهم سلعة بمئة دينار، وعرضها على المختصين لمعرفة سعرها عرفاً وعادةً؛ فإن كانت تُباع من سبعين إلى تسعين ديناراً؛ كان هذا غبناً يسيراً؛ أمّا إن كانت تُباع بأضعاف هذا الثمن كان غبناً فاحشاً.
  • ذهب أهل العلم إلى وضع نسب محددة في تعيين الغبن الفاحش؛ فقالوا إن الغبن الفاحش في العروض ما كان على قدر نصف العُشُر، وفي الحيوانات ما كان على قدر العُشُر، وفي العقار ما كان على قدر الخُمس أو أكثر، وفي الدراهم ما كان على قدر ربع العُشُر.
  • إنّ الغبن الفاحش يُقدّر بما خرج عن المعتاد؛ بأن تباع السلعة، أو تشترى على غير ما يتغابن به الناس، وعلى هذا ظاهر مذهب المالكيّة، والمشهور عند الحنابلة.
  • إنّ الغبن الفاحش يُقدّر بالثُلث؛ وهو قول عند المالكيّة والحنابلة.
  • إن الغبن الفاحش ما زاد عن الثُلث، وقيل ما زاد عن الرُبع، والسُدس.


البيوع المنهي عنها لوجود الغبن

فصّل أهل العلم في حكم عدد من البيوع المحرّمة؛ التي كان سبب تحريمها لوجود الغبن الفاحش فيها، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بها؛ ومن البيوع المنهي عنها والتي يلزم منها الغبن الفاحش ما يأتي:


  • بيع الاحتكار

هو البيع الذي يعمد فيه البائع إلى شراء السلع التي يحتاجها الناس، مع حبسه لها حتى يبيعها بثمن الضعف؛ أيّ بغبن فاحش، استغلالاً لحاجة الناس إليها؛ فهذا البيع محرّم منهيٌ عنه، ويجوز لولي الأمر أن يُجبر البائع المُحتكر على البيع بثمن المثل دون خياره.[٥]


  • بيع النَجْش

يُعدّ بيع النجش من أكثر البيوع التي يدخل فيها الغبن الفاحش؛ إذ يقوم هذا البيع على الاتفاق بين البائع وأحد المشترين؛ لمدح بضاعته والزيادة في ثمن شرائها والتنافس على الحصول عليها؛ ليس رغبةً بالشراء؛ إنّما لزيادة ثمنها، وهو بيع محرّم نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويلحق الإثم بكلا الطرفين البائع الناجش، والمتواطئ معه؛ إذا زادت السلعة عن ثمنها بقدرٍ فاحش.[٦]

المراجع

  1. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 15-17، جزء 7. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 139، جزء 31. بتصرّف.
  3. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 19-21، جزء 7. بتصرّف.
  4. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 3247، جزء 4. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 62، جزء 6. بتصرّف.
  6. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 245، جزء 2. بتصرّف.