مفهوم بيع العينة

بيع العِينة هو أن يبيع أحدهم سِلعة بثمنٍ مؤجَّلٍ، ويُعطيها للمشتري، ثمّ يشتريها منه بثمنٍ أقلّ من السّعر الذي باعه له قبل أن يقبض الثّمن المؤجّل، على أنْ يُعطي للبائع الأصلي السعر الأوّل -أي الأكثر- عند حلول الأجل، وقد سُمّي هذا البيع بالعِينة بهذا الاسم لأنّه يُعين صاحبه على تحصيل مراده بطريقة التحيُّل، فيتمّ فيه دفع قليلٍ بكثير.[١]


صورة بيع العينة

يتمّ في بيع العينة شراء سلعةٍ بثمنٍ مؤجّل ثم بيعها لنفس البائع بثمنٍ حاضرٍ أقلّ، ومن الأمثلة على ذلك أن يأتي زبون لبائع سيارات، فيشتري منه سيارة بمئة ألفٍ مؤجّلة إلى شهر رمضان، ثمّ يبيع السيارة للبائع نفسه مرة أخرى بثمانين ألفاً في الحال حتى يقضي حاجته بهذا المال، وترجع السيارة ملكاً لصاحبها الأول، ويبقى في ذمّة الزبون عشرون ألفاً، لأنه سيُعطي للبائع الأصلي مئة ألف عند حلول شهر رمضان، فيكسب البائع الأصلي عشرين ألفاً.[٢]


حكم بيع العينة

أكثر الفقهاء وأهل العلم على تحريم بيع العِينة، وقد خالف الشافعية ذلك فقالوا بجواز هذا البيع، ونذكر آراء الفقهاء وأدلّتهم فيما يأتي:[٣]

  • قول جمهور الفقهاء

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى تحريم بيع العينة، ونُقل ذلك أيضاً عن جمعٍ من الصحابة؛ كعائشة وابن عباس والحسن -رضي الله عنهم-، لأنّ هذا البيع وسيلةٌ صوريَّةٌ إلى الربا، حيث قال محمد بن الحسن: "هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال ذميم اخترعه أكلة الربا".


وقال الشوكاني في نيل الأوطار: "إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ التَّحَيُّلَ لِأَخْذِ النَّقْدِ فِي الْحَالِ وَرَدِّ أَكْثَرَ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِي تَحْلِيلِهِ الْحِيَلُ الْبَاطِلَةُ"،[٤] واستدلّ جمهور الفقهاء بالإضافة إلى كون هذا البيع من صور الربا بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم).[٥]


ووجه الاستدلال هو تصريح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأنّ بيع العِينة سببٌ من أسباب تسليط الله -تعالى- الذلّ على المسلمين، وهذا يدلّ قطعاً على حرُمة هذا البيع، وأنّه نوعٌ من أنواع الربا، بالإضافة إلى عدّة أدلّة أخرى استدلّ بها الجمهور على حُرمة بيع العِينة.


  • قول الشافعية[٦]

قال الشافعي -رحمه الله-: إذا باع أحدهم سلعةً بثمنٍ مؤجَّلٍ وقبضها المشتري منه، فيصحّ أن يبيعها ممّن اشتراها أولاً بثمنٍ أقل أو أكثر أو دين ونحو ذلك؛ لأنّ هذه البيعة غير البيعة الأولى، ولكن بشرط عدم وجود ارتباطٍ بين العقد الأول والثاني.


كما لا يصحّ عندهم أن يكون العقد الثاني مشروطاً في العقد الأول؛ سواء كان ذلك بدلالة العرف العام أو بالنصّ عليه صراحةً، وبذلك يُعرف أنّ الشافعية وإن قالوا بجواز بيع العينة عموماً إلا أنهم أشاروا إلى هذين الشرطين، وقالوا بعدم جواز إضمار نيَّةٍ مُحرَّمة عند التعامل بهذا البيع، وإلا أثم صاحبها.


وقد نُقل عن الشافعية قولان في جواز بيع العينة، والأول هو: الجواز بالشرطين المذكورين سابقاً، مع إثم صاحب بيع العينة إنْ أضمر في نفسه نيَّةً محرّمة كالرّبا، والثاني هو: الكراهة كما صرّح به بعض المتأخِّرين من أصحاب المذهب.


واستدلّوا بما جاء عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا علَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا، فَقالَ: إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِن هذا بالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بالثَّلَاثَةِ، فَقالَ: لا تَفْعَلْ، بعِ الجَمْعَ بالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقالَ في المِيزَانِ مِثْلَ ذلكَ).[٧]


ووجه الاستدلال هو أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل أن يبيع التمر الرديء ويشتري بالدراهم تمراً جديداً، ولم يُفصّل له هل يشتري التمر الجديد من المشتري الأول أو غيره، فدلّ ذلك على جواز بيع العينة بالشروط والضوابط المذكورة سابقاً، لأنّ هذا بيعٌ وذلك بيع آخر، فلا فرق من حيث الحكم بالبيع والشراء من نفس الشخص أو من غيره.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 95-96، جزء 9. بتصرّف.
  2. عبد العزيز الراجحي، فتاوى منوعة، صفحة 28، جزء 15. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 265-271، جزء 14. بتصرّف.
  4. الشوكاني، نيل الأوطار، صفحة 244، جزء 5.
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3462، صححه الألباني.
  6. رياض بن راشد آل رشود، التورق المصرفي، صفحة 66-67. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2302، صحيح.