الفرق بين العفو وكظم الغيظ

إنّ العفو وكظم الغيظ من الصّفات التي يتحلّى بها المسلم التقيّ، وقد وعد الله مَن اجتمعت فيه هذه الصفتان مع صفات التقوى الأخرى بالجنّة، فقال -سبحانه-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[١] ونوضّح الفرق بين العفو وكظم الغيظ فيما يأتي:[٢]

  • الفرق بينهما من حيث العموم والخصوص

إنّ العفو أبلغ وأعمّ من كظم الغيظ؛ ذلك أنّ كظم الغيظ وسيلةٌ من وسائل العفو والصفح.

  • الفرق بينهما من حيث المعنى

كظم الغيظ هو حبس وكتم الغضب، وتحمّل سببه، والصبر على مرارته، مع القدرة على معاقبة المُذنِب، وهو قهر النّفس الأمارة بالسوء، فالكاظمين الغيظ لا يعملون بمقتضى الطبيعة والجبلّة البشرية، بل يحبِسون حنَقَهم الشديد ويصبرون على مقابلة المسيء بالإساءة، أما العفو فيدخل فيه العفو عن كلّ مَن أساء وأخطأ في القول أو العمل، ولا يقتصر العفو على ترك المعاقبة، بل يكون مع مسامحة المسيء.[٣]

  • الفرق بينهما من حيث المراحل

كظم الغيظ يسبق العفو، فهو المرحلة الأولى، ولا يكفي كظم الغيظ وحده، لأنّه ربّما أدّى إلى الحقد الدفين والضغينة المستمرة في النّفس تجاه المُخطئ، لِذا يقول السيد قطب -رحمه الله-: "... لذلك يستمر النص ليقرر النهاية الطليق لذلك الغيظ الكظيم في نفوس المتقين؛ إنها العفو والسماحة والانطلاق".[٤]


ثمرات العفو وكظم الغيظ

إنّ العفو وكظم الغيظ من أعظم الخِصال التي تجلب للمسلم النفع في الدنيا والآخرة، ولا يقوم بها إلا أصحاب القلوب الصادقة، ومن أهمّ فضائلها وثمراتها ما يأتي:[٥]

  • سببٌ لدخول الجنة ونيل رضا الله -عز وجل-، والآية المذكورة سابقاً كافية في بيان هذا الأجر العظيم.
  • ينال بهما المسلم المغفرة والرحمة من الله -سبحانه-، فقد قال -تعالى-: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).[٦]
  • هما بابان عظيمان من أبواب الإحسان، لقول الله -تعالى-: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).[٧]
  • سببٌ لنيل الحسنات العظيمة، والأجر الكبير، لقول الله -تعالى-: (فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ).[٨]
  • العفو وكظم الغيظ خلق الأنبياء، وخير قدوة لنا هو النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد قالت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- وهي تصف أخلاقه: (لم يَكُن فاحِشًا ولا مُتفَحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواقِ، ولا يَجزي بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ، ولَكِن يَعفو ويَصفَحُ).[٩]
  • جاء عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (مَن كَظَمَ غيظًا وهو قادرٌ على أن يَنْفِذَه دعاه اللهُ عزَّ وجلَّ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرُه اللهُ مِن الحُورِ ما شاءَ).[١٠]


حدود العفو وكظم الغيظ

العفو وكظم الغيظ من أعظم الأخلاق الحميدة، ولكن لا يعني ذلك أن يكون المؤمن ذليلاً وضعيفاً وخاضعاً، فالعفو وكظم الغيظ أمرٌ مستحبٌّ عندما يكون ذلك في مقدور المؤمن، وفي وُسعِهِ وطاقته، أمّا إذا كان عاجزاً عن تحمّله بحيث سيؤدّي ذلك إلى ظلمه وانتهاك حقوقه فيُستحبّ حينها الانتصار للنفس بالعدل والحِكمة، لذلك جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا يَنبغي للمُؤمنِ أن يُذلَّ نفسَه، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: يتعرَّضُ مِن البلاءِ لما لا يُطيقُ).[١١][١٢]



مواضيع أخرى:

الفرق بين العفو والتسامح

الفرق بين العفو والصفح

المراجع

  1. سورة آل عمران، آية:133
  2. "العفو وكظم الغيظ والقيم الخلقية"، الإسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 26/12/2022. بتصرّف.
  3. عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي، صفحة 148. بتصرّف.
  4. ياسر عبد الرحمن، موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق، صفحة 335، جزء 1. بتصرّف.
  5. عبد الرزاق البدر، "كظم الغيظ والعفو عن الناس"، ملتقى الخطباء، اطّلع عليه بتاريخ 26/12/2022. بتصرّف.
  6. سورة التغابن، آية:14
  7. سورة المائدة، آية:13
  8. سورة الشورى، آية:40
  9. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2016، صححه الألباني.
  10. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن معاذ بن أنس، الصفحة أو الرقم:4777، حسنه الألباني.
  11. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:2254، صححه الألباني.
  12. عبد العزيز الطريفي، التفسير والبيان لأحكام القرآن، صفحة 679، جزء 2. بتصرّف.