لمّا كان الخطأ من طبع الإنسان كان لا بد من وجود خلق إسلامي ينظم التعامل مع الخطأ في حق الآخرين بعيدًا عن رد الإساءة بمثلها، لذلك حث الإسلام على التسامح والعفو، وإن ذكر مصطلحي التسامح والعفو يدل على أن لكل منهما معنًى مختلفًا وإن تشابها في الظاهر، فلو أنهما يحملان معنى متطابقًا تمامًا لجُمعا في كلمة واحدة، وسنذكر في هذا المقال معنى كل من التسامح والعفو للتفريق بينهما.


معنى العفو

إن أفضل طريقة لمعرفة معنى أي كلمة هو تعريفها في اللغة والاصطلاح أو ذكرها في سياقات تبين معناها، لذلك سنعرض فيما يأتي التعريف اللغوي والاصطلاحي للعفو:


العفو لغةً

العفو مصدر الفعل عفا يعفو، وهو يعني في أصله المحو والطمس، فنقول عفت الآثار أي طُمِست ومُحيَت معالمها، ونقول عفا فلان عن فلان أي تجاوز عن خطئه ولم يعاقبه عليه. [١]


العفو اصطلاحًا

إن المعنى الاصطلاحي للعفو مستنبط من المعنى اللغوي له، فالعفو في الإسلام يعني عدم رد الإساءة بمثلها وتجاوز الخطأ، وإسقاط الحق، ففي حال تسبب أحد بأذية شخص ما فإنه مدين له بحق تلك الأذية لكن إذا عفا الشخص الذي تعرض للأذى فذلك يعني أنه أسقط الحق الواجب على من أذاه، ويمكننا القول ثانيةً بأن العفو هو التجاوز عن الذنب وعدم العقاب عليه. [١]


العفو في القرآن الكريم

من الطرق التي يمكننا من خلالها الاستدلال على معنى كلمة ما هي ذكر الآية التي وردت فيها في القرآن الكريم، لذلك سنعرض فيما يأتي بعض الآيات التي ذُكِر فيها العفو: [٢]

  • "عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ" [٣]، وتبين هذه الآية أن الله يغفر الذنوب القديمة بعد التوبة ويعفو عنها كذلك.
  • "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" [٤]، وهذا خطاب من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم، ويظهر فيه أن العفو أمر رباني وخلق الأنبياء.
  • "وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا" [٥]، وقد جاء العفو هنا بصيغة الدعاء، وطلب العفو والمغفرة والرحمة من الله عز وجل.
  • "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ" [٦]، وقد وردت هذه الآية في سياق وصف المحسنين، وفي ذلك إشارة إلى أهمية العفو وعظيم فضله.
  • "فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" [٧]، وقد وردت هذه الآية في سياق أمر الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المؤمنين والتجاوز عن أخطائهم.


معنى التسامح

فيما يأتي تفصيل لمعنى التسامح في اللغة والاصطلاح للتفريق بينه وبين العفو:


التسامح لغةً

التسامح هو مصدر الفعل سمح يسمح، وهو يدل في أصله على السهولة والسلاسة، ونقول سمح له بكذا أي أعطاه الإذن ووافق على طلبه. [٨]


التسامح اصطلاحًا

التسامح أو السماحة في الاصطلاح تدل على معنيين بحسب السياق؛ فإما أن تكون العطاء والبذل في غير الأشياء الواجبة، وإما أن تأتي بمعنى التيسير في الأمور واللين في التعامل مع الآخرين. [٨]


ومن الأمور التي ينبغي التذكير بها والإشارة إليها أن العفو والتسامح خلقان حميدان لكنهما ليسا واجبين في كل الحالات، فبعض الأخطاء تستحق العقاب ولا يمكن العفو والتسامح فيها، لذلك لا ينبغي على المسلم أن يجبر نفسه على العفو أو يتظاهر بذلك، ففي بعض الحالات يكون القصاص وأخذ الحق أفضل من التسامح والعفو؛ لأنه أدعى لتصفية النفوس.


المراجع

  1. ^ أ ب "معنى العفو والصفح لغةً واصطلاحًا"، الدرر السنية. بتصرّف.
  2. "آيات ورد فيها "العفو""، المعاني.
  3. سورة المائدة، آية:95
  4. سورة الأعراف، آية:199
  5. سورة البقرة، آية:286
  6. سورة آل عمران، آية:134
  7. سورة آل عمران، آية:159
  8. ^ أ ب "معنى السَّمَاحَة لغةً واصطلاحًا"، الدرر السنية. بتصرّف.