آداب الدعاء

حثّت النصوص الشرعيّة على الدعاء، والتوسل إلى الله -تعالى-، على أنّه عبادة من أفضل العبادات، وعلى أنّ فضائله وعوائده وثماره تعود على المسلم في الدنيا والآخرة؛ لذا ينبغي على المسلم أن يتأدب ويتخلّق بالآداب الجمّة في أثناء دعائه وتوجهه لله -تعالى-؛ ونذكر بعضاً من هذه الآداب على النحو الآتي:


الإخلاص

إنّ من أهم وأوكد الآداب المتعلقة بالدعاء، بل وبكل عمل؛ إخلاص القصد والتوجه إلى الله -تعالى-؛ لأن عكس ذلك يكون إشراكاً به -جلّ في علاه-، وإعراض عن أمره؛ وفي بعض الأحوال يكون مُخرجاً من الملّة كلّها، مما يجعل العمل والدعاء محبطاً لا نفع فيه؛ وقد عزّ القائل -جل جلاله- حين قال: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...).[١][٢]


الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه

من آداب الدعاء التي ينبغي للمسلم الحفاظ عليها البدء بحمد الله -تعالى-، والثناء عليه، والدعاء بأسمائه وصفاته العلى؛ مع الصلاة على رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، فإنّ ذلك أحرى لاستجابة الدعاء.[٣]


إذ قد قال -سبحانه- في كتابه العزيز: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا...)،[٤] كما أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك في قوله: (... إذا صلَّى أحدُكُم، فليَبدَأ بتَمجيدِ ربِّهِ جلَّ وعزَّ والثَّناءِ علَيهِ، ثمَّ يصلِّي علَى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ثمَّ يَدعو بَعدُ بما شاءَ).[٥][٣]


الإلحاح وعدم التعجل في الإجابة

كان السلف الصالح يعدّون الإلحاح في الدعاء وطلب قضاء الحاجات من أعظم الأمور التي يُؤتى بها مع الدعاء؛ إذ إنّ الإلحاح مع شدّة التضرّع وإظهار الفاقة والتذلل، له أثر كبير على قلب الداعي، واستحضاره له، وحرصه على التقرّب إلى الله -تعالى-، واستشعار معاني العبوديّة الحقّة.[٦]


كما أنّ عدم التعجّل في الإجابة مع الصبر، واليقين التام بالله -تعالى-، يورث الطمأنينة؛ بأنّ ما عند الله -تعالى- هو الخير، وأنّ التأخير لا يكون إلا لحكمته البالغة -سبحانه-، وعلمه بالأصلح لهذا العبد، إضافةً إلى الأجر والثواب الجزيل الذي يناله نتيجة دعائه؛ فكم من دعاء قرّب بعيداً، وأصلح حال عاصياً، وألجأ تائهاً؛ لذا فإنّ دعاء المسلم بالخير لا يعود عليه إلا بالخير، سواء في دنياه، أو في آخرته.[٧]


التوسل بالوسائل المشروعة

أرشد الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين إلى التوسل إليه بالطرق المشروعة والمباحة؛ كالتوسل بالأعمال الصالحة والطاعات الخالصة؛ التي قصد بها المسلم وجه الله -تعالى- وحده،[٨] ومما يدلّ على ذلك حديث الغار، حيث أُغلق على ثلاثة من الرجال باب غار بصخرة كبيرة؛ فأخذوا يتوسلون إلى الله -تعالى- بأعمالهم الصالحة حتى يُفرّج عنهم، ويستجيب دعاؤهم في النجاة من هذا الكرب.[٩]


إذ ثبت في الحديث ما كان من توسل كلّ واحدٍ منهم؛ حيث قالوا: (... إنَّه لا يُنْجِيكُمْ مِن هذِه الصَّخْرَةِ إلَّا أنْ تَدْعُوا اللَّهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ...)؛[١٠] وقد توسل الأول بما كان يصنع مع والديه وهما شيخان كبيران؛ إذ كان يكره أن يحلب شاته، ويشرب من لبنها قبل أن يستيقظ والداه، ويشربا أولاً؛ فكان يحمل القدح ينتظرهما على الباب حتى يستيقظا؛ فانفرجت الصخرة قليلاً لتوسله ببر الوالدين؛ ثم كان توسل الثاني بإعراضه عن الزنا بابنة عمّه التي أحبّها، وقد طلب منها أن تمكّنه من نفسها.[٩]


لكنّه لمّا اختلى بها تذّكر عظم ما هو مقبل عليه، وخاف من عقاب الله -سبحانه-؛ فتركها وترك ما بذله لها من مال وذهب؛ وسأل الله -تعالى- أن يُفرّج عنهم بعمله هذا؛ فانفرجت الصخرة بمقدار لا يتسع معه الخروج، حتى كان توسل الثالث؛ الذي كان عنده أجير قد ترك عمله، دون أن يأخذ حقّه وأجره؛ فلمّا عاد بعد زمن وجد سيّده قد نمّى له ماله، بالعديد من الأنعام والإبل؛ فلما طلب حقّه أعطاه الأنعام كلّها، دون أن يأخذ منها شيئاً؛ فكان بتوسله انفراج لما بقي من الصخرة، حتى خرجوا من الغار، ونجوا مما كانوا فيه.[٩]


آداب أخرى

وقد ذكر أهل العلم آداباً أخرى للدعاء؛ يُستحب للمسلم القيام بها قبل وبعد، وفي أثناء الدعاء؛ ومن هذه الآداب:[١١]

  • الوضوء.
  • التسّوك بالسواك.
  • استقبال القبلة.
  • الدعاء باسم الله الأعظم؛ الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... الَّذي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعطى...).[١٢]
  • الاعتراف بالذنب، والإقرار بالخطيئة.
  • تخيّر جوامع الدعاء.
  • تقديم عمل صالح بين يدي الدعاء.
  • خفض الصوت أثناء الدعاء بين المخافتة والجهر.
  • البكاء والتضرّع.
  • التواضع في اللباس عند الدعاء.
  • الدعاء في الأحوال كلها، في الرخاء، وفي الشدّة، في المنشط والمكره.
  • الطموح وعلو الهمّة في الدعاء والطلب.
  • تكرار الدعاء ثلاثاً ثم الاستغفار بعده.[١٣]
  • إطابة المطعم والمأكل بأن يكون حلالاً طيباً.[١٤]
  • أن لا يكون الدعاء شاغلاً عن أداء الفريضة الواجبة.[١٤]
  • توخي أوقات الاستجابة؛ عند الإفطار من الصيام، وعند السحر، وبين الأذان والإقامة، وفي ساعة الجمعة الأخيرة، ونحوها من الأوقات التي ثبتت في السنة النبويّة.[١٥]
  • عدم التعدي في الدعاء؛ كأن يكون الدعاء بقطيعة الرحم، أو الدعاء على النفس والمال والأهل؛ أو الاشتراط على الله -تعالى-؛ فكل ذلك محرّم لا يليق بالداعي القيام به.[١٦]

المراجع

  1. سورة غافر، آية:14
  2. سعود العقيلي، الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح، صفحة 21. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة، صفحة 927-930، جزء 3. بتصرّف.
  4. سورة الأعراف، آية:180
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود ، عن فضالة بن عبيد، الصفحة أو الرقم:1481، صححه ابن حبان وقال الألباني صحيح.
  6. عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل، حينما يعتكف القلب، صفحة 49-50. بتصرّف.
  7. عدنان العرعور، القنوت، صفحة 15. بتصرّف.
  8. محمد نسيب الرفاعي، التوصل إلى حقيقة التوسل، صفحة 57. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ناصر الدين الألباني، التوسل أنواعه وأحكامه، صفحة 34-35. بتصرّف.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2272، صحيح.
  11. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 511، جزء 10. بتصرّف.
  12. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3544، صححه الألباني.
  13. محمد حسن عبد الغفار، دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار، صفحة 13، جزء 32. بتصرّف.
  14. ^ أ ب سعود العقيلي، الاعتداء في الدعاء صور وضوابط ونماذج من الدعاء الصحيح، صفحة 22. بتصرّف.
  15. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 348، جزء 5. بتصرّف.
  16. أحمد بن عبد الفتاح زواوى، شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 160، جزء 1. بتصرّف.