من السنن الكونية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في الأرض أن يتعرض الناس للابتلاء والمصائب والمشكلات، فلا تخلو الحياة من الصعوبات والمطبات والمعيقات، فالدنيا هي دار امتحان، ولهذا يجب على المؤمن أن يقابل هذه الصعوبات بالصبر وعدم الضجر، وفي مقالنا هذا سنتعرف على معنى الصبر وكيفية الوصول إليه. والصبر هو التجلُّد والتحمل،[١] وللصبر معاني كثيرة، ومن أهم هذه المعاني هي إبعاد النفس ومنعها عن المعاصي والمحرمات، وترك الشكوى لغير الله سبحانه وتعالى.[٢]
كيف أكون صبورًا؟
يمكننا الوصول إلى الصبر من خلال تطبيق بعض الأمور والتدرب عليها، ومن هذه الأمور ما يلي:[٣]
- التفكير في عظمة صفة الصبر والفضل الذي سيحصل عليه الصابر في الدنيا والآخرة.
- التفكير بالعذاب الذي سيناله من يتبع شهواته في الحياة متخليًا عن الصبر.
- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى على الصبر.
- الدعاء والطلب من الله أن ييسر الصبر عند نزول البلاء.
- محبة الله سبحانه وتعالى والخوف منه.
- التأمل والتفكر في قصص صبر الأنبياء والصالحين.
الترغيب بالصبر في القرآن الكريم
ولأن الصبر من أكثر الأخلاق التي اهتم بها الإسلام، فقد ذكرت في القرآن الكريم في كثير من المواضع، ومن أهم هذه المواضع ما يلي:[٤]
1. الأمر بالصبر
فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ"،[٥] وفي هذه الآية الكريم يأمر الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما أصابه من أذى حتى يأتيه الفرج، وإن الصبر من الله سبحانه وتعالى فهو الذي يعيننا ويثبتنا عليه.[٦]
2. النهي عن كل ما هو ضد الصبر
فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ"،[٧] وهذه الآية تحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على الأذى الذي تعرض له كصبر أولى العزم من الرسل، كما أنها تحثه على عدم استعجال العذاب لقومه.[٨]
3. ربط الصبر بالفلاح
فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، [٩] وتخاطب هذه الآية المؤمنين الذين صدقوا الله سبحانه وتعالى والتزموا بالشريعة الإسلامية وصبروا على طاعة الله سبحانه وتعالى وعلى ما نزل بهم من أذى وبلاء، وتقول لهم كونوا أكثر صبرًا من الأعداء وجاهدوا العدو وخافوا من الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال التي تكونون عليها، فهذا يؤدي إلى الفوز برضا الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.[١٠]
4. تعليق الإمامة في الدين بالصبر
فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "وجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ"، [١١] وتبين لنا هذه الآية أن الدعاة والأئمة الذين كانوا من بني إسرائيل ما وصلوا إلى هذا الخير إلا لأنهم صبروا على ابتلاء الله لهم.[١٢]
5. مضاعفة أجر الصابرين
فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا"،[١٣] وهذه الآية توضع أن الذين يصبرون سيأخذون جزاء عملهم مرتين؛ لأنهم آمنوا بالكتاب، ولأنهم صبروا على العمل بما في هذا الكتاب.[١٤]
الترغيب بالصبر في السنة النبوية الشريفة
وردت كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتكلم عن الصبر وثواب الصابرين والثمرات التي تعود عليهم، ومن هذه الأحاديث ما رُوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "إنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فأعْطَاهُمْ حتَّى نَفِدَ ما عِنْدَهُ، فَقَالَ: ما يَكونُ عِندِي مِن خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومَن يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ".[١٥]
وهذا الحديث يبين لنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أسرع الناس في الخير، إذ إنه يعطي ويمنح الناس دون الخوف من الفقر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يربي النفس على العفاف والغنى، ويغرس فيهم مبدأ أن ما عند الله سبحانه وتعالى هو خير وأبقى، ويروي لنا أبو سعيد الخدري أن بعض الأنصار طلبوا المال من النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم استمروا في الطلب فأعطاهم إلى أن نفد المال، ثم أرشدهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاستعفاف والاستغناء، ثم حثهم النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر وتربية النفس عليه؛ لأن الإنسان إذا تحلى بصفة الصبر فقد استعفف واستغنى، ومن يعالج نفسه بالصبر فإنه يبتعد بذلك عن ضيق العيش وجميع مكاره الدنيا، كما أن الصبر من أفضل النعم التي قد تكون في حياة المسلم.
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى صبر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني.
- ↑ " معنى الصبر لغةً واصطلاحًا"، درر سنية. بتصرّف.
- ↑ "فضل الصبر"، صيد الفوائد. بتصرّف.
- ↑ "الترغيب في الصبر"، درر السنية. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية:127
- ↑ " تفسير الآية رقم (127) - من سورة النحل"، فهرس القرآن الكريم. بتصرّف.
- ↑ سورة الاحقاف، آية:35
- ↑ " تفسير الآية رقم (35) - من سورة الأحقاف"، فهرس القرآن الكريم. بتصرّف.
- ↑ سورة ال عمران، آية:200
- ↑ " تفسير الآية رقم (200) - من سورة آل عمران"، القران الكريم. بتصرّف.
- ↑ سورة السجدة، آية:24
- ↑ " تفسير الآية رقم (24) - من سورة السجدة"، القران الكريم. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية:54
- ↑ " تفسير الآية رقم (54) - من سورة القصص"، القران الكريم. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1469، خلاصة حكم المحدث صحيح.