لما كانت للوالدين مكانة رفيعة ومنزلة عظيمة في الدين الإسلامي كان لزامًا على كل مسلم الاهتمام ببرهما والحرص على طاعتهما، وقد بلغت رتبتهما في الإسلام أن ألحق الله ذكر الإحسان إليهما بذكر الأمر بعبادته سبحانه وتعالى، وذلك في الآية الكريمة: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [١]، ولما كانت للإحسان إلى الوالدين قداسة كبيرة ظهر مفهوم بر الوالدين وطاعتهما، وحرص كل مسلم على برهما وطاعتهما كأولوية من أولويات الحياة وجزء لا يتجزأ من هوية المسلم، ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان عند التطرق لهذا الموضوع هو ما الفرق بين بر الوالدين وطاعتهما، وهل يوجد فرق في الحقيقة، وهل تجب الطاعة على الأبناء أم البر، وللإجابة على تلك الأسئلة يمكن إتمام قراءة المقال.


إن أفضل طريقة للتفريق بين شيئين هي ذكر أوجه الاختلاف بينهما، لذلك سنعرض فيما يأتي الفروقات والاختلافات بين بر الوالدين وطاعتهما:


1. بر الوالدين واجب دون شرط ولكن طاعتهما تجب بالمعروف فقط

إذ إن بر الوالدين واجب على كل مسلم بأمر من الله عز وجل، وذلك يظهر بوضوح في الآية المذكورة في مقدمة المقال، فالبر هو الإحسان للوالدين وهو يشمل أوجه الخير جميعها، بينما طاعة الوالدين لا تكون واجبة إلا إذا كانت بالمعروف؛ أي في شيء أحله الله، وليس فيه ضرر على الابن، ولا يخالف رغبته. [٢][٣]


2. الطاعة بالمعروف أحد أشكال البر

فالبر له صور عديدة وكثيرة؛ فهو يشمل كل ما يجلب النفع للوالدين وكل ما يصرف الضرر عنهم، سواء أكان ذلك النفع أو الضرر معنويًّا أم ماديًّا، فمن بر الوالدين حبهما وتقديرهما، وأيضًا الاهتمام بحاجاتهما ومساعدتهما في مختلف الشؤون، وكذلك الإنفاق عليهما عند الحاجة، أما الطاعة فهي لا تتجاوز الالتزام بأوامرهما واجتناب ما ينهيان عنه بشرط أن يكون ذلك بما يرضي الله عز وجل وما لا يلحق أي ضرر بالابن. [٤]


3. ذكر الإحسان إلى الوالدين في النصوص الدينية وليس الطاعة

إن الناظر للنصوص التي تلزمنا بالإحسان إلى الوالدين من القرآن والسنة يجد أنها ذكرت الإحسان وليس الطاعة، والمصاحبة بالمعروف وليس الاستسلام للأوامر، ويظهر كل ذلك جليًّا في قوله تعالى: "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [٥]، وكل ذلك يدل على عدم وجوب الطاعة أو صحتها إلا بالمعروف، كما أن الأحاديث النبوية التي تعرض طاعة الوالدين جاءت كلها في سياق الطاعة التي يستوجبها البر وليست الطاعة العمياء التي تجعل الابن منصاعًا لأوامر والديه أيًّا كانت، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: "جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ في الجِهَادِ، فَقَالَ: أحَيٌّ والِدَاكَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ" [٦]، ففي الحالة تلك كانت العناية بالوالدين ورعايتهما أولى من الجهاد. [٤]


في الحقيقة ظهرت الحاجة إلى التفريق بين بر الوالدين وطاعتهما لمّا خلط الكثير من المسلمين بين الأمرين، ولم يعرفوا ما يجب منهما، فصار بعض الأبناء يطلقون زوجاتهم دون علة طاعة للوالدين، وبعض الفتيات يتركن الدراسة طاعة للوالدين، وغيرها الكثير من صور وحالات الطاعة غير المقبولة، لذلك ارتأينا أنه من الضروري الإشارة إلى الفرق بينهما في المقال أعلاه.


المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:23
  2. "الضابط في طاعة الوالدين"، الإمام ابن باز. بتصرّف.
  3. "طاعةُ الوالِدَينِ بالمَعروفِ"، الدرر السنية. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "كيف تتعامل مع والديك؟"، موقع الشيخ محمد صالح المنجد. بتصرّف.
  5. سورة لقمان، آية:15
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:3004.