معنى النجوى وحكمها الشرعي

النّجوى لغةً هي الإسرار في الحديث، أو السرّ بين الاثنين،[١] أمّا النجوى اصطلاحاً فهي "ما ينفرد به الجماعة والاثنان سرًّا كان أو ظاهرًا"،[٢] ومنه التناجي شرعاً، وهو أن يتحدّث اثنان سِرَّاً دون الثالث، أو مجموعةٍ بحضرة واحد، وهي عموماً من الصفات المذمومة التي نهى عنها الشرع -إلا في حالاتٍ محدودة سيأتي ذكرها-.[٣]


وقد اهتمّ الإسلام بآداب المجالس فجعل منها عدم جواز تناجي الاثنين دون الثالث؛ حفظاً لسلامة الصدور، ولأنّ ذلك يُحزن الطرف الثالث ويظنّ أنّهما يتحدّثان عنه، ولكن إذا كان عدد مَن في المجلس أكثر من ثلاثة فيجوز أن يتناجى اثنان دون البقيّة، لأنّ العلة من تحريم المناجاة هنا قد انتفت.[٤]


قال ابن الملقّن -رحمه الله-: "وفيه: جوازُ مسارَّةُ الواحدِ بحضرة الجماعة، وليس ذلك مِن نهيه عن مناجاةِ الاثنين دون الواحد؛ لأنَّ المعنى الذي يخاف مِن ترك الواحد لا يخاف في ترك الجماعة، وذلك أنَّ الواحد إذا تسارّوا دونه؛ وقَعَ بنفسه أنهما يتكلمان فيه بما يَسُوؤهُ، ولا يتَّفِقْ ذلك في الجماعة".[٥]


النجوى في القرآن الكريم

ذُكرت النجوى في القرآن الكريم في العديد من المواضع، وجاءت في سياق الذمّ في معظم الآيات، لأنّها تتحدّث عن إسرار المنافقين بالإثم والعصيان، ومن الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدّث عن النجوى ما يأتي:[٦]


  • (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ...).[٧]
  • (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).[٨]
  • (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).[٩]
  • (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى).[١٠]


النهي عن النجوى في السنة النبوية

نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النجوى في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، فقد كان المنافقون يجتمعون ويتناجون ويتهامسون على المؤمنين، فيُخيّل للمؤمنين أنّهم يستهزئون بهم ويُدبّرون لهم المكائد، فتحزن قلوبهم وتضطرب نفوسهم في هذه الظنّون،[١١] ولذلك كان النبي الكريم ينهى عن النجوى، وممّا يدلّ على ذلك:


  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَى اثْنانِ دُونَ صاحِبِهِما، فإنَّ ذلكَ يُحْزِنُهُ).[١٢]
  • قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَى رَجُلانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ، أجْلَ أنْ يُحْزِنَهُ).[١٣]


وقد علّق النووي -رحمه الله- على هذه الأحاديث فقال: "وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ، وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ، وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنَاجَاةُ دُونَ وَاحِدٍ منهم إلا أنْ يأذن".[١٤]


الحالات التي يجوز فيها النجوى

استثنى الشرع الإسلامي من تحريم التناجي عدّة حالاتٍ يجوز فيها ذلك لمصلحةٍ شرعيةٍ معتبرة، وقد جاء هذا الاستثناء في قول الله -تبارك وتعالى-: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)،[١٥] وبناءً على ذلك تجوز النّجوى في الحالات الآتية:[٣]

  • عند الأمر بالصدقة.
  • عند الأمر بالمعروف والدلالة على الخير والتحذير من الشر.
  • عند الإصلاح بين الناس.


ويُستثنى من النجوى المنهي عنها أيضاً إذا تناجى الاثنان بعد استئذان الشخص الثالث وأذِن لهما بذلك، وإذا كان في النجوى مصلحة راجحة على المفسدة، مثل أن يأتي عند أحدهم ضيفاً، فيُسرّ الأب لابنه بتجهيز الطعام والضيافة، أو تفريغ الطريق مثلاً، فقد تعارف النّاس على أنّ الإسرار بهذه الأمور من المروءة، ولن يشعر الضيف في هذه الحالة بالحزن، بل سيُقدّر أنّ الهمس الذي جرى كان لأجل الضيافة ونحوها من الأمور.[٤]

المراجع

  1. "تعريف ومعنى النجوى في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2023. بتصرّف.
  2. الثعلبي، تفسير الثعلبي، صفحة 597، جزء 10.
  3. ^ أ ب "النجوى بين الحظر والإباحة"، إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2023. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "أحكام ومسائل متعلقة بالتناجي"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2023. بتصرّف.
  5. إبراهيم المديهش، فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيرتها، فضائلها، مسندها رضي الله عنها، صفحة 294، جزء 5.
  6. "الآيات المتضمنة كلمة نجوى في القرآن الكريم"، القرآن الكريم، اطّلع عليه بتاريخ 14/8/2023.
  7. سورة المجادلة، آية:8
  8. سورة المجادلة، آية:9
  9. سورة المجادلة، آية:10
  10. سورة طه، آية:62
  11. عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، صفحة 828، جزء 14. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2184، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:6290، صحيح.
  14. النووي، شرح النووي على مسلم، صفحة 167، جزء 14.
  15. سورة النساء، آية:114