جاء دين الإسلام الحنيف داعيًا إلى كلِّ فضيلة، وناهيًا عن كلِّ رذيلة، وذلك لأن دين الإسلام دينُ التربية الإسلامية الصحيحة الصافية النقية، والأخلاق السليمة التي ترتقي بصاحبها وتُعلي من شأنه، وتنقله إلى الرفعة وإلى مرتبةٍ عظيمة، ومن هذه الآداب الفاضلة، والأخلاق النبيلة، ما يُعرف بالمروءة، فهي خصلةٌ إنسانيةٌ رفيعة المستوى؛ وذلك لأن التحلِّي بها يعدُّ من الجمال والكمال في الخلق الإنساني، وهي أيضًا من خصال الرجولة.


وممَّا يدلُّ على عظمِ مكانة المروءة وفضلها، أنَّ العلماء عرفوها تعريفاتٍ عديدةٍ، فهي خلقٌ كريم، وشأنها عظيم، وسلوكها قويم، حتى أنَّ إنسانية الإنسان لا تكتمل إلا بالتحلِّي والتخلُق بها، فالمروءة اسمٌ جامعٌ للمحاسن كلها.


مفهوم المروءة

كما أشرنا في المقدمة فقد عرف العلماء المروءة تعريفات عديدةٍ، منها أنها اتصاف النفس الإنسانية بصفات الكمال التي يتميَّز بها عن الحيوان والجماد، واستخدام كل ما يزيَّن النفس، والابتعاد عن كلِّ ما يشينها ويدنِّسها، سواء تعلق هذا الخطأ بالنفس أو تعداه إلى الغير.


المروءة في الجوارح والممتلكات

لما كانت المروءة هي التحلي بكل خلق حسن وجميل يزيّن النفس، وتجنُّب كل ما يجعل النفس قبيحة، كانت أعضاء الجسم وممتلكات الفرد التي تعكس هذا الخلقُ مسؤولة عن المروءة؛ فاللسان مروءته تكون بالكلام بكل طيب وجميل مع مراعاة ألّا يخرج على اللسان أي كلامٍ قبيح، والمال تكون مروءته بإنفاقه ووضعه في المكان الذي يحبُّه الله سبحانه وتعالى، بإنفاقه على الخير بمختلف طرقه وأشكاله، ومروءة الجاه تكون باستخدامه والسعي فيه لمن يحتاجه. [١]


آداب المروءة

للمروءة آداب كثيرة لعلَّ اجتماعها في شخصٍ واحدٍ أمر نادر، لذلك فإنَّ منازل الناس تختلف بعضهم عن بعض، بحسب اجتماع بعضها أو كلّها أو جزءٍ منها: [٢]

  • أن يكون الشخص متأنّيًّا؛ فلا يكون في تحرّكاته نوعٌ ظاهرٌ من الاضطراب، كأن يكون ممن يلتفت كثيرًا في طريقه.
  • أن يضبط نفسه عندما يحدث أمر يزعجه أو يغضبه، وأن يكون موقفه في السرّاء مقاربًا له في حال الضرَّاء أيضًا.
  • أن يكونَ صريحًا، وأن لا تصدر منه أيَّة مجاملات أو نفاق، فلا يصادق شخصًا وهو بداخله يكنُّ له عداوة، أو يقول عن فلان مستقيم وهو يراه منحرفًا مثلًا، وغيرها من المجاملات الأخرى.
  • أن يكون فعله في الخفاء فعلٌ حسنٌ وجميل، فلو رآه الناس أو عُرِض على الناس لم يكن من الأفعال التي تحسب عليه، ويؤاخذه عليها الناس.
  • أن يكون مستمعًا جيدًا، وأن يصغي لمن يتكلّم معه، لأن ذلك علامة على اهتمامه بالشخص وأنسه بحديثه.
  • أن يحفظ السر الذي يؤتمن عليه، فلا يظهره للناس أو لأحدٍ غير صاحبه.


أهمية المروءة

تتجلى أهمية المروءة في العديد من المواقف والأشكال، ونعرض فيما يأتي أشهر وأهم ما يظهر أهمية المروءة: [٣]

  • أن من تُقبل شهادته يجب أن يكون ذا أخلاق نبيلة ورفيعة، وأن لا يخرج عن الآداب الحسنة، ولا عن أعراف الناس، وأن يبتعد عن الأمور الدنيئة كما قال الله سبحانه وتعالى: "فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ". [٤] 
  • أنَّ الله سبحانه وتعالى كريمٌ ويحب من الأمور عظيمها، ويكره سبحانه سفاسف الأمور.
  • أنَّ المروءة كانت شرطًا لقبول حديث الشَّخص في زمن السَّلف، فمن كان مخروم المروءة لم تكن تقبل روايته ولا يؤخذ بها.

درجات المروءة

للمروءة ثلاث درجات كما ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله، وفيما يأتي تفصيل لها: [٥]


1. المروءة مع النفس

وهي أن يعود الإنسان نفسه على الأخلاق الحسنة، ويبعد عنها كل عادة سيئة قد تورثه الذل والمهانة أو تجعله يشعر بالخجل، ويمكن أن يدرب الإنسان نفسه على المروءة بأن يجتنب في خلوته ما يجتنبه عندما يكون بين الناس من أقوال وأفعال وسلوكات.


2. المروءَة مع الناس

وذلك بأن يتعامل معهم بكلِّ أدب وحياء وخلقٍ جميل، وأن يتعامل معهم بطريقة يحبها ويرضى أن يعامله بها الآخرون، وأن يتحرى ترك الفعل أو القول الذي لا يرضى رؤيته أو سماعه من الآخرين، فمن اتّخذ الناس مرآة لنفسه أصبح ذا بصيرة بكلّ من حوله ممن صاحبه وخالطه، سواء أكان من خالطه كاملاً في خلقه، أو عكس ذلك، فمن لم يجد في غيره مروءة، يكون التزامه بالمروءة أشد؛ فالإنسان النَّبيه لا يقتصر في تعلّمه للمروءة ممن اتّسم بها فقط، فيمكن له أن يتنبّه إلى خوارم المروءة؛ ليتجنّبها ويعملَ بضدّها.


3. المروءَة مع الله

وذلك بأن يستشعر الفرد أن الله مطلع عليه في كل أحواله، فيخجل أن يعصيه أو أن يظهر بمظهر لا يرضاه الله عز وجل، وهذا يجعله مستشعرًا لمعية الله في كل لحظة وفي كلِّ مكان، وإنَّ من يجعل ذلك بباله وحسبانه، يكون من الصعب عليه ألَّا يظهر أمام الله سبحانه وتعالى إلّا بأجمل الأخلاق وأزكاها، ومن الجدير بالذكر أن المروءة مع الله عز وجل تقتضي تقويم النفس ومحاولة تغيير ما فيها من سلوكات وعادات قبيحة لا يرضاها الله عز وجل.


المراجع

  1. "المروءة شيمة النفوس الزكية"، إسلام ويب، 8/2/2005، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021.
  2. صالح علي أبو عرَّاد، "من آداب المروءة وخوارمها"، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021.
  3. سلمان المالكي، "تخلقوا بخلق المروءة"، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية:282
  5. "درجات المروءة"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021. بتصرّف.