إن الناظر في تعاليم الإسلام والدارس لها والباحث فيها، يجد أنها لم تترك أمرًا مهمًّا في حياة الإنسان إلا ووضعت له القواعد والآداب، ليجد المسلم آدابًا وتعليماتٍ لكل جزئية في حياته، ومن تلك الآداب التي بيّنها الإسلام؛ آداب المجالس، فلا يكاد يخلو يوم من الجلوس في أي مجلس أيًّا كان مكانه ونوعه؛ فالجلوس من العائلة مجلس، ومع الأصدقاء مجلس، وفي اجتماع العمل مجلس، فالمجلس هو كل مكان يضم مجموعة من الأشخاص الذين يجلسون مع بعضهم ويتجاذبون أطراف الحديث، ولأن الجلوس في المجالس يعد روتينًا يوميًّا لا بد من الاطلاع على الآداب المتعلقة به، والتي تحمي الفرد والجماعة، وتحفظ كل شخص في المجلس من الأذى النفسي أو الإثم، لذلك سنعرض في هذا المقال أهم ما جاء في آداب المجالس. [١]

آداب المجالس في الإسلام

فيما يأتي عرض لأهم آداب المجالس التي ينبغي على كل مسلم الالتزام بها:


1. الاستئذان والتسليم قبل الدخول

إن أول أدب يجب الالتزام به في المجالس هو الاستئذان والتسليم، فمن سوء الأدب أن يدخل أحد إلى مكان دون أن يُسمح له بذلك، ويمكننا القول بأن الاستئذان في وقتنا هذا يشمل أخذ موعد مسبق إذا لم يتلق الشخص دعوة بالحضور إلى جلسة ما، فقد يكون أصحاب المكان مشغولين أو غير موجودين، كما يشمل الاستئذان طرق الباب وانتظار الإذن بالدخول، كما جاء فيما رواه أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الاستئذانُ ثَلاثٌ، فإن أذنَ لَكَ وإلَّا فارجِعْ" [٢]، أما الدليل على وجوب التسليم قبل الدخول إلى المجلس فيتمثل فيما رواه أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا انتهى أحدكُم إلى المجلسِ فليسلّم، فإذا أرادَ أن يقومَ فليسَلّم، فليستِ الأولَى بأحقّ من الأُخْرى" [٣][٤].


2. الجلوس في مكان مناسب

فمن سوء الأدب أن يطلب أحد من غيره القيام من مكانه حتى يجلس، أو أن يجلس في غير المكان الذي حدده له المضيف، ودليل ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يُقِيمَنَّ أحَدُكُمْ أخاهُ، ثُمَّ يَجْلِسُ في مَجْلِسِهِ" [٥]، كما أمر الله تعالى المسلمين بالإفساح في المجالس والإيساع لبعضهم، وذلك في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" [٦][٧].


3. حفظ أسرار المجالس

من آداب المجالس التي يغفل الكثيرون عنها هي حفظ أسرار المجلس وعدم تناقل الحديث الذي دار فيه، وغالبًا ما يهمل الأشخاص حفظ أسرار المجالس بسبب الجهل بعاقبة ذلك، وقد يتسبب إفشاء الأسرار بتفشي الأحقاد وانعدام الثقة، وهذا أمر بالغ الأذى والسوء، كما يجب حفظ الأسرار لأنها أمانة، فلا يحدث أحد بشيء خاص أمام شخص إلا إذا كان يأتمنه على هذا الحديث، وإذا أفشاه فإنه خائن للأمانة، وبالتالي فإنه يدخل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: " آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ" [٨][٩].

4. تجنب التناجي بالحديث

ويعني ذلك الامتناع عن التحدث بصوت خفيض مع شخص في حال وجود شخص ثالث؛ لما في ذلك من أذى له لأنه سيظن أنهما يتحدثان عنه بسوء، ودليل ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كُنْتُمْ ثَلاثَةً، فلا يَتَناجَى اثْنانِ دُونَ صاحِبِهِما، فإنَّ ذلكَ يُحْزِنُهُ" [١٠]، وقد ذهب بعض العلماء في ذلك إلى أن العدد في هذه الحالة ليس علة بل العلة ترك شخص واحد دون إشراكه في الحديث. [١]


5. دعاء كفارة المجلس

وينص هذا الدعاء على قول: "سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك"، ففي بعض الأحيان قد يكون في المجلس بعض الخطأ في الحديث واللغو فيه دون انتباه، وإن ترديد هذا الدعاء في آخر المجلس يعد طلبًا للمغفرة على التقصير وعدم الانتباه، ولكن هذا الدعاء ليس كفارة للذنوب في حال كان المجلس كله مليئًا بالغيبة والنميمة، إذ يجب الحرص على أن يكون المجلس خاليًا من ذلك إلا سهوًا.


المراجع

  1. ^ أ ب "آداب المجالس في الإسلام"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  2. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم:2690.
  3. رواه النووي، في المجموع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4/599.
  4. "آداب الاستئذان والزيارة"، صيد الفوائد. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2177.
  6. سورة المجادلة، آية:11
  7. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 349. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6095.
  9. "أسرار المجالس وأماناتها"، الألوكة الشرعية. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2184.