يمثل الوقف أحد أهم الأمور التي تدعم النشاط الاقتصادي، كما أنه واحد من موارده، لذلك فقد شرع الله سبحانه وتعالى الوقف، وجعل له أجرًا عظيمًا، ولأن الوقف له أثر ملحوظ على الاقتصاد فقد اهتم المسلمون به، فانتشر بين صفوف المسلمين على مختلف فئاتهم، فكل فرد في المجتمع يخصص وقفًا يتناسب مع وضعه الاقتصادي والدخل الذي يحصل عليه، فالبعض يقف عقارًا والبعض يقف مصحفًا كل حسب قدرته، ويعد الوقف الذري من أكثر أنواع الوقف انتشارًا، إذ إن من يفضل هذا النوع من الوقف تكون له أهداف نبيلة وحاجات ملحّة، وفي مقالنا هذا سنتحدث عن الوقف للأبناء المسمى بالوقف الذري، وبالتحديد سنتكلم عن شروط هذا الوقف.


شروط الوقف للأبناء

للوقف على الأبناء عدة شروط، ومن أهمها ما يأتي:[١]

  1. أن يكون الوقف لجميع الأبناء، فلا يجوز أن يكون الوقف لبعضهم دون البعض الآخر.
  2. أن لا يقف الواقف جميع أمواله لأبنائه، لأن في ذلك حرمان لزوجاته وفيه حرمان لبعض الورثة من الإرث.
  3. أن لا يكون الهدف من الوقف حرمان الورثة من الإرث.


شروط عامة للوقف

تشترط لصحة الوقف عدة شروط، وفيما يلي ذكر لهذه الشروط:[٢]

  1. أن يكون الواقف قادرًا على الوقف؛ إذ يجب أن يكون بالغًا راشدًا مكلفًا حرًّا.
  2. أن يكون الموقوف عليه من الأشياء التي يمكن الانتفاع بها انتفاعًا مستمرًّا؛ كالبيت والبستان.
  3. أن يكون الوقف منجزًا؛ أي أن ينفذ فورًا، فلا يجوز تأجيله وربط البدء بالوقف بحدوث شيء ما مثلًا، إلا إذا كان مقيدًا بالوفاة، كأن يقول أحد: بيتي وقف بعد وفاتي.
  4. أن يكون الموقوف محددًا ومعروفًا.
  5. أن يكون الموقوف عليه ممن يجوز له التملك، وبهذا الشرط يكون الوقف على الميت والحيوان غير جائز.


حدود الشروط التي يمكن للواقف أن يشترطها

يحق للواقف أن يشترط شروطًا على للوقف، ويجب ألا تكون هذه الشروط مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، كما أنه يجب العمل بشروط الواقف، كما هو الحال في شروط أحكام الشريعة الإسلامية في الوقف، وفيما يلي ذكر لبعض من الأمور التي يحق للواقف اشتراطها مع مراعاة أن تكون هذه الشروط متناسبة مع أحكام الشريعة الإسلامية والعرف الموجود في المجتمع:[٣]

  1. يحق للواقف أن يشترط تعيينه لناظر على الوقف، وتحديد المستحقات لهذا الناظر بعض النظر عما إذا كان الناظر فردًا أم جماعةً أم موسسةً.
  2. يجوز للواقف أن يشترط في صيغة عقد الوقف أن تسدد ديونه من ريع الموقوف عليه بعد وفاته.
  3. يجوز للواقف أن يشترط أن ينتفع بريع الوقف في حياته، وبعد مماته تنتقل لذريته وبعد ذريته تتنقل لأوجه البر والخير.


شروط الوقف الباطلة

مثلما توجد شروط يحق للواقف اشتراطها توجد شروط لا يحق للواقف اشتراطها، وتسمى شروطًا باطلة، وفيما يلي ذكر لبعض هذه الشروط:[٤]

  1. أي شرط يخالف أحكام الشريعة الإسلامية فهو شرط باطل.
  2. أي شرط يخالف مقصدًا من مقاصد الشارع.
  3. أي شرط يؤدي إلى الإخلال بعقد الوقف ويؤثر على أصله، كما أن الوقف يصح دون هذا الشرط، مثل الاشتراط بعدم عزل ناظر الوقف مهما كان سبب العزل.
  4. أي شرط يؤدي إلى إيقاف وتعطيل عمل الوقف أو يخل بالانتفاع بهذا الوقف، ومثال ذلك توزيع الريع على المستحقين على الرغم من حاجة الوقف إلى صيانة، فالأولى صيانة الوقف لأنه هو مصدر الدخل للمستحقين ثم التوزيع للمستحقين.


مقاصد الوقف للأبناء

لكل أمر هدف ومقصد، وتوجد أهداف ومقاصد من توجيه الواقف وقفه على ذريته والأبناء، وفيما يلي ذكر لبعض مقاصد الواقف من تطبيق هذا النوع من الوقف:[٥]

  1. حرص الواقف على أن يبقي لذريته دخلًا ماليًّا مستمرًّا ودائمًا.
  2. خوف الواقف من تبديد الورثة للثروة بعد وفاته، لذلك فإنه يقفها لصالحهم.
  3. وجود أشخاص ضعفاء لا يستطيعون الحصول على حقوقهم من بين الورثة والذرية، لذلك يسعى الواقف لحفظ حقوقهم من خلال الوقف الذري.
  4. حرمان بعض الأبناء للبنات من الورثة، أو منعهم من دخول أحد أبناء البنات في الورثة، لهذا يُلجأ إلى الوقف الذري لمنع مثل هذه الأمور.


حكم الوقف على الأبناء

إن الله سبحانه وتعالى عادل يحب العدل، ويحب أن يكون الإنسان أقرب ما يكون إلى العدل، لذلك يجب على الإنسان أن يعمل على التسوية بين أبنائه، فلقد قال الله سبحانه تعالى في كتابه الكريم: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"،[٦] ففي هذه الآية يبين لنا الله سبحانه وتعالى إن للذكر مثل حظ الأنثيين، فلا يجوز تفضيل أحد على أحد من الأبناء خصوصًا في حالة عدم وجود سبب ظاهر لهذا التفضيل.


فإذا كان أحد من الأبناء مريضًا أو عاجزًا فيجوز أن يخصص الأب له ما يسد حاجته وضرورياته، ومن المحرم الوقف على أمر يلحق الضرر بالورثة، فإن فعل الواقف ذلك يكون الوقف باطلًا، كما أنه يجوز للواقف أن يقف على بناته خصوصًا إذا كانت من بينهن مطلقة أو أرملة، فهذا الوقف رحمة بهن، لأن الذكر لديه القدرة على العمل والكسب بخلاف الأنثى التي قد لا تجد من يعيلها.[٧]


المراجع

  1. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء «المجموعة الثالثة»***/i327&d257617&c&p1 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، صفحة 38. بتصرّف.
  2. عبد العزيز بن سعد، الوقف الذري، صفحة 5-6. بتصرّف.
  3. عبد العزيز بن سعد، الوقف على الذرية، صفحة 7. بتصرّف.
  4. عبد العزيز بن سعد، الوقف على الذرية، صفحة 8. بتصرّف.
  5. عبد العزيز بن سعد، الوقف الذري، صفحة 3. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية:11
  7. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، الفقه الإسلامي/أنواع الوقف:/i582&d920065&c&p1 موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 176. بتصرّف.