يحتاج الناس إلى بعضهم البعض في حياتهم، فلا يستطيعون الاستغناء عن التعاملات فيما بينهم، ومن هذه التعاملات الحاجة إلى البيع والشراء ونحوه من تبادل المنافع والأموال والسلع، والإسلام يهتم بتنظيم التعاملات بين الناس ويهتم ببيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها؛ لذلك فقد نظم الإسلام أحكام البيوع وبين مشروعيتها، إذ يقول الله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" [١]، فأباح الإسلام البيع والشراء بما يحقق الربح للبائع وتوفير السلعة التي يحتاجها المشتري.


ولأهمية البيع والشراء في قضاء حوائج الناس وتيسير أمور حياتهم، ولأن الناس يتفاوتون في قدرتهم على تأمين احتياجاتهم، وكذلك في التعامل بالبيع والشراء؛ فقد شرع الإسلام البيع، وللبيع صور عدة ومنها بيع المرابحة الذي سنعرّفه في هذا المقال، ونبين شروطه ومشروعيته ونضرب مثالًا يوضحه من حياتنا العملية.


يعد مصطلح بيع المرابحة مصطلحًا مركبًا من كلمتي بيع ومرابحة، لذلك سنعرّف كلًّا من البيع والمرابحة تعريفًا تفصيليًّا على النحو الآتي :


بيع المرابحة من أنواع البيع

البيع لغة هو ضد الشراء، ويطلق أيضًا على الشراء،[٢] أما اصطلاحًا فهو عقد معاوضة تقوم على مبادلة مال بمال،[٣] وللبيع أركان ويقصد بالأركان المقومات الأساسية التي يجب أن تتوافر ليتم البيع، وهي الصيغة؛ أي الإيجاب والقبول، والعاقدان البائع والمشتري، والمعقود عليه السلعة والثمن، ويجب أن تتوفر حتى تتم عملية المبادلة أي البيع وتكون صحيحة. [٤]


وللبيع أنواع وذلك بالنظر إلى الثمن، وهذه الأنواع هي: بيع المرابحة وهو يقوم على مبادلة المبيع مع زيادة ربح معين على الثمن الأول، وبيع التولية الذي يقوم على مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول دون زيادة ربح، وبيع الوضيعة الذي يكون بمبادلة المبيع بنقصان الثمن الأول، وأما بيع المساومة فيكون بمبادلة المبيع بما يتراضى عليه العاقدان فيكون الثمن حسب ما هو متفق عليه مع الرضا بهذا الاتفاق. [٥]


تعريف بيع المرابحة

المرابحة لغة تعني الزيادة والكسب والفائدة أي ما يُربح،[٦] أما اصطلاحًا فتعني بيع الشيء برأس المال وزيادة ربح معلوم،[٧] أي إن المرابحة نوع من أنواع بيوع الأمانة، وتعني بيع الشيء المبيع بالثمن الأول الذي اشتراه البائع به مع زيادة ربح محدد يخبره البائع للمشتري، إذ يخبر البائع المشتري بالثمن الأول الذي اشترى به الشيء ويبين له الربح الذي أضافه على الثمن الأول، ويتم برضاهما البيع، ويجب أن يخبر البائع المشتري بهذه التفاصيل بصدق؛ لأن هذا البيع مبني على ثقة المشتري بالبائع.


شروط بيع المرابحة

لبيع المرابحة عدة شروط ينبغي أن تتوافر ليكون البيع صحيحًا، وفيما يأتي بيان لتلك الشروط:

  1. صحة الصيغة؛[٨] وهي الإيجاب والقبول التي تعبر عن الرضا بهذا العقد.
  2. أن يكون عقد البيع الأول صحيحًا تتوافر فيه جميع الأركان التي تجعله ينعقد انعقادًا صحيحًا. [٨]
  3. معرفة الثمن الأول؛[٨] وذلك بأن يبين البائع السعر الأول الذي اشترى به السلعة للمشتري عند الاتفاق على بيع المرابحة.
  4. أن يكون الربح معلومًا؛[٨] وذلك بأن يبين البائع للمشتري مقدار الربح الذي أضافه على السعر الأصلي أي الأول الذي اشترى به السلعة فيرضى بهذا المقدار.


حكم بيع المرابحة

وهذا البيع أي المرابحة جائز مشروع إذا توافرت فيه أركانه وشروطه؛ وذلك لأنه داخل في عموم حل البيع كما سبق بيانه في الآية الكريمة التي تدل على مشروعية البيع عمومًا، وكذلك من خلال الأصل العام في المعاملات المالية، وهي أن الأصل في المعاملات المالية الحل أي الإباحة ما لم يدل الدليل على التحريم. [٩]


مثال على بيع المرابحة

أن يشتري شخص سيارة بقيمة 10000 دينار مثلًا من أحد الباعة، ويكون تسليم السيارة وقبض الثمن بعد التراضي بينهما، وهذا عقد بيع مساومة تم بينهما، ثم يأتي رجل آخر (مشترٍ ثانٍ) يرغب بشراء هذه السيارة منه فيقرر المشتري الأول بيعها للمشتري الثاني بمبلغ 12000 دينار، فنلاحظ أنه يتوجب عليه إخباره بالسعر الأول وهو 10000 دينار، وزيادة ربح مقداره 2000 دينار، فبعد علم المشتري بذلك ورضاه يتم بيع المرابحة، فهذا مثال من أمثلة بيع المرابحة البسيطة .


ويعد بيع المرابحة من بيوع الأمانة المهمة في وقتنا الحاضر الذي يعتمد عليه الناس في حياتهم ويلجؤون إليه كثيرًا؛ وذلك لحاجتهم للبيع والشراء مع نقص الخبرة أحيانًا بالبيع والسلع، وأحيانًا للانشغال الشديد وغيره من الأسباب، وقد تطور هذا العقد ليتحول كذلك من مرابحة بسيطة إلى مركبة، وتعتمد البنوك على هذا النوع من البيوع أي المرابحة في تعاملاتها كثيرًا، خاصة في وقتنا الحاضر، والمرابحة التي تحدثنا عنها هنا هي المرابحة البسيطة بالمعنى العام الأول الذي ذكره الفقهاء القدامى .


المراجع

  1. سورة البقرة ، آية:275
  2. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 23. بتصرّف.
  3. عبد الناصر بن خضر ميلاد، البيوع المحرمة والمنهي عنها، صفحة 14. بتصرّف.
  4. عبد الرحمن الجزيري ، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 141. بتصرّف.
  5. حسام الدين عفانة ، بيع المرابحة للآمر بالشراء، صفحة 12. بتصرّف.
  6. "المرابحة "، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  7. موفق الدين بن قدامة ، المغني، صفحة 136. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث "شروط البيع بالمرابحة "، إسلام ويب ، 2/6/2014، اطّلع عليه بتاريخ 9/8/2021. بتصرّف.
  9. "حكم بيع المرابحة "، طريق الإسلام ، 5/8/2011، اطّلع عليه بتاريخ 9/8/2021. بتصرّف.