جاءت الشريعة الإسلامية السمحة لتنظيم حياة الإنسان، وللتسهيل عليه في ترتيب أموره ومعيشته، فقد وضَّحت في تشريعاتها عددًا من الأنظمة الربانية، التي تكفل الراحة والسكينة والاستقرار لكل مسلم تمسَّك بها وعمل بمقتضى ما جاءت به، فالنشاطات البشرية اليوم على أرض الواقع من حولنا كثيرةٌ جدًّا، لذلك كان لا بدَّ من حدودٍ وضوابطٍ لها؛ ليكون النفع فيها على مستوى الفرد والجماعة.
من النشاطات التي تلعبُ دورًا مهمًّا في أي مجتمعٍ كان هي البيع والشراء؛ فالبيع مصطلحٌ عامٌ تتفرَّع منه أنواعٌ عديدة وأشكالٌ مختلفة، بعضها كان كما أمر الشرع فكان حلالًا، وبعضها الآخر لم يأمر به الشرع، أي إنه كان مخالفًا للشرع، سواء أكانت المخالفة ككل، أو كانت في جزئيةٍ من جزئياته، ومن أشهر أشكال البيع والشراء ما أُطلق عليه اليوم مسمَّى بيع المرابحة الذي سنعرض أبرز ما يتعلق به في هذا المقال.
مفهوم المرابحة
المرابحة على وزن مفاعلة وتعني الربح، والربح هو الزيادة والنمو في التجارة، أما في الاصطلاح فتنقسم البيوع في الفقه الإسلامي باعتبار الثمن إلى نوعين:[١][٢]
• بيوع مساومة: يتفق البائع والمشتري فيها على ثمن البيع دون الالتفات إلى الثمن الأولي للسلعة.
• بيوع الأمانة: يحدث فيها الاتفاق بين المشتري والبائع على ثمن السلعة، بعد الكشف عن الثمن الأصلي للسلعة ليكون البيع إما بزيادة الثمن عن الثمن الأصلي وإما بتقليله وإما بإبقائه كما هو.
الشروط اللازمة لصحة عقد المرابحة
لبيع المرابحة شروط يجب توفرها كي يكون العقد أو البيع صحيحًا، وفيما يأتي توضيح لتلك الشروط:[٣]
- أن يكون المشتري للسلعة على علم بثمنها الأوَّل، مشتملةً على كل أنواع المصروفات حتى وصلت إلى هذا السعر، فإذا رأى المشتري أي خيانة في الثمن فهو مخيَّر إمَّا أن يوافق على العقد وإمّا لا يوافق.
- أن يكون الربح معلومًا عند المشتري وعند البائع، فإن كان الربح مخفيًّا ولو على طرفٍ واحد كان العقد غير جائز وباطل.
- أن يكون العقد الأول صحيحًا ومستوفيًا لجميع شروطه؛ فإن كان العقد الأول فاسدًا لم يجز البيع.
- أن لا يكون الثمن بالعقد الأول من الجنس نفسه، كمن يشتري قمحًا مقابل قمح أو صنفٍ معين مقابل الصنف نفسه، فلا يجوز البيع بالجنس نفسه فهذا من أشكال الربا.
شروط واجبة في مرابحة البنوك الإسلامية
اتفق الفقهاء على شروط عدة في مشروعية المرابحة في البنوك الإسلامية، وفيما يأتي عرض لها:[٤]
- أن يشتري البنك السلعة المتفق عليها بنفسه، ويقبضها، ويحوزها بنفسه، ثم يكمل معاملته مع الشخص المشتري الذي تقدم لمعاملة المرابحة، وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الشيء قبل امتلاكه.
- أن لا يأخذ البنك مالًا من المشتري قبل تملّك السلعة من البائع، وألا يدفع المشتري مالًا للبائع قبل تملك السلعة، وألا يشترط أحد الأطراف بإلزام عملية الشراء، أو المطالبة بالضرر إن فشلت عملية الشراء؛ لأنها تَدخلُ في بيع ما لا يملك، كما ذكرنا أنه محرم شرعًا.
- أن لا تكون معاملة المرابحة وسيلة للجوءِ إلى الربا، ببيع المشتري السلعة للبائع بأقلّ من ثمنها فور شرائه لها، فهذا اسمه بيع العينة ولا يجوز شرعًا.
تجاوزات شرعية في المرابحة
حذَّر العلماء من بعض التَّصرفات التي تنتج عنها تجاوزات شرعية، وتسبب الدخول بدائرة الإثم، مثل الألباني، وابن عثيمين، ومن صور هذه التجاوزات ما يأتي:[٥]
- أن يتفق المشتري على تحديد ثمن السلعة مع البنك، وهو ذاته الذي يساوم صاحب السلعة ويتفق على ثمنها، ويتفق على بيعها، شريطة تسليم البائع ثمنها من البنك، وهنا يكون التَّجاوز في أنَّ المشتري لا يملكها، ولا يملك ثمنها حتى يساوم البنك على الثمن، والأصل أن من يجب أن يساوم البائع هو البنك وليس المشتري.
- إذا ذهب البائع بعد الاتفاق على الثمن وباعها للمشتري، هنا المشتري هو صاحب السلعة قانونيًّا بعد الاتفاق وهو ملزم بتسليم الثمن للبائع، فلا يجوز للبنك أن يشتريها من المشتري ويبيعها له بسعرٍ أعلى.
- ربح البنك ما لا يضمنه، فكما حدث في النقطة الأولى يوجد تجاوز آخر، وهو أنَّ البنك ربح المال في ما ليس له، فليس عليه ضمانٌ في تلفه أو خرابه أو سرقته، إنَّما يتحمَّل مسؤوليتها البائع أو المشتري، وهذا ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز شرعًا.
- التحايل كما فعل بني إسرائيل، فقد وجد العلماء أنَّ بعض المعاملات هي فتحُ بابٍ للشرِ، وفيها من التحايل كما فعل بنو إسرائيل من قبل، وإنَّما أصلُ بعض المعاملات هو قرضٌ يريده العميل؛ ولكن لأن البنك إسلامي لا يعطي قروضًا حسنةً، يلجأ إلى التَّحايل حول بعض معاملات الشراء الوهمية دون تدقيق من البنك، أو أن يبيع أحدهم بضائع وهمية مثبتة على شكل سندات فقط، بحجَّة أن يعيد البضاعة للتُّجار، ويأخذ المال ويسدده، كما لو أنَّه أخذ قرضًا، وهذه مخالفة صريحة للشريعة وتحايل واضح عليها.
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى مرابحة في معجم المعاني الجامع"، المعاني. بتصرّف.
- ↑ الفقهية الكويتية ****/ أنواع بيع الأمانة/i232&d136138&c&p1 "أنواع بيع الأمانة"، نداء الإيمان. بتصرّف.
- ↑ الحسين شواط ، عبدالحق حميش (6/11/2013)، "المرابحة "، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.
- ↑ "حكم بين المرابحة "، طريق الإسلام ، 5/8/2011، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.
- ↑ إحسان العتيبي، "بيع المرابحة "، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 7/8/2021. بتصرّف.