نزلت الشريعة الإسلامية لبني البشر، لتكونَ خاتمة الرّسالات الإلهية وأشملها وأعمها، إذ إنها نزلت للنّاس جميعًا شاملةً ومتكاملةً، فقد اعتنت بجميع جوانب حياة الإنسان الاجتماعية والأخلاقية، والاقتصادية، وغيرها من جوانب حياة الإنسان التي جاء الإسلام وبيّنها، ووضع لها أحكامًا، وضبطها بالضوابط الشرعية.


وكان من بين هذه الجوانب، الجانبُ الاقتصاديّ والتّجاريّ في حياة الفرد والمجتمع، فوضعَ الإسلام عنها كل ما هو خبيثٌ ودنيءٌ كالرّبا، وأحلَ وضبط العديد من المعاملات التجارية كعمليات البيع والشراء، وقد قال الله سبحانه وتعالى: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"[١]، وبين هذه الآية أن الله عز وجل أحل البيع وما يتبعه من معاملاتٍ، كالإيجار، والمرابحة، وشروطِ زكاةٍ وغيرها، وقد رتَّب الفقهاء تلك الأحكام، وسمّاها العلماء بفقه المعاملات، أي: كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المالية، والقضائية، والجنائية، ومن هذه الأحكام التي نظّمتها الشريعة الإسلامية هي أحكام المرابحة، وأحكام الإيجار والتي سنوضح الفرق بينها في هذا المقال.


1. الفرق بين الإجارة والمرابحة من حيث التعريف

تعريف المرابحة

هي ما عرفت باللّغة بالزّيادة، أمّا اصطلاحًا فهي نقلُ الشيء المبيع إلى الغير بزيادة ثمنه عن الثمن الأول، وهي كما عرّفها الإمام ابن قدامة: "البيع برأس المال والربح منه، بشرط العلمِ برأس المال ومقدار الرّبح منه"[٢].


تعريف الإجارة

وجمعها في الَّلغة أجور، وهي مشتقة من الأجر وهو العوض، ومعناها اصطلاحًا في الشرع: هي تمليكُ منفعةِ شيءٍ مباحٍ لمدةٍ محدودةٍ بعوض[٣].


2. الفرق بين الإجارة والمرابحة من حيث الحكم

حكم المرابحة

المرابحة جائزةٌ شرعًا لقوله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ"[٤]، فهذا نصٌ عامٌ، ولم يرد أي تحريمٍ للمرابحة؛ لذلك اتّبع العلماءُ أيضًا القاعدة الفقهية: (الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يرد نصٌ بتحريمها)[٢].


حكم الإجارة

الإجارة جائزةٌ شرعًا بالإجماع، لقوله سبحانه وتعالى: "فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"[٥]، وممَّا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك: "قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"[٣][٦].


3. الفرق بين الإجارة والمرابحة من حيث شروط الصحة

شروط صحة المرابحة

إن المرابحة التي تجريها البنوك الإسلامية حالها كحالِ المرابحة التي عرّفها العلماء سابقًا، إذا توافرت عدّة شروط وهي كالآتي[٢]:

  • شراء البنك للسلعة وقبضها، أي أن تكون بضمانته لا بضمانة البائع أو المشتري، حتى يبتعد البنك عن بيع ما لا يملك، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
  • لا يجوز وجود وعد مُلزم بالشراء قبل أن يمتلك البنك السلعة، وما تدرّج حول هذا الوعد أيضًا لا يجوز، كتعويضِ الضرر في حال لم تتم الصفقة.
  • أن تكون المرابحة بقصد البيع للمشتري، لا طريقةً للتحايل وأخذ الربا، بأن يردّ المبيع للبائع، فهذا ربا؛ لأنّه زيادةٌ على شيءٍ من الجنس نفسه.
  • لا يجوز للبنك اشتراط أي زيادة في حالة التَّأخرعن دفعِ الأقساط، فهذا أيضًا من الرّبا المحرّم.


شروط صحة الإجارة

أما شروط صحة الإجارة من ناحية صحَّة العقد وانعقاده فهي كالآتي[٣]:

  • رضا المتعاقدين دون إكراه.
  • وجود منفعة مباحة شرعًا كتأجير بيت للسكن أو مكان للتعليم.
  • تسليمُ الشيءِ المؤجر، والعلم بثمنه وقدره، مع تحديد مدَّة الإيجار.


أما فيما يخصُّ شروط لزوم الإجارة فهي كالآتي[٣]:

  • سلامة الشيء المؤجر من العيوب، وأيضًا عدم حدوث أي عُذر يفسخ العقد.
  • يجوز للمُستأجِر أن يُؤجِّر المُستَأجَر، شريطةَ علم المالك، وعدم ترتّب أي ضرر على الشيء المُؤجَّر.
  • يجوز فسخ عقد الإجارة في حالة إفلاس المُستأجِر، وعجزه عن سداد الدَّين، أو إفلاس المُؤَجِّر، أو هجر الشيء المُستأجَر، وعدم تحصيل أي منفعة منه كالسابق.
  • يتحمّل المُستأجِر مسؤولية أي تلفٍ، أو هلاكٍ نتجَ عن تقصيرٍ منه وإهمالٍ فقط.


المراجع

  1. سورة البقرة ، آية:275
  2. ^ أ ب ت "حكم بيع المرابحة "، طريق الإسلام ، 5/8/2011، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث "الإجارة "، الألوكة الشرعية ، 23/6/2018، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  4. سورة البقرة ، آية:275
  5. سورة الطلاق، آية:6
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:2227.