آداب اللباس

نظّم الدين الإسلامي الحنيف حياة المسلم في الجوانب جميعها، فجعل لكلّ شيءٍ في حياته آداب تُعينه على تحقيق الخير والبركة والنّظام والتوازن، وليس ذلك فحسب بل هو مأجورٌ على فعلها إذا وجّه نيّته في ذلك لله -تعالى- واقتداءً بنبيّه الكريم -صلى الله عليه وسلم- الذي علّم المسلمين هذه الآداب.


وتجدر الإشارة قبل الشروع بذكر آداب اللّباس أنّ مصطلح الآداب يختلف عن الشروط الواجب توفّرها في اللباس حتى يكون شرعياً، وحديثنا هنا عن الآداب المستحبّة في اللباس، وفيما يأتي استعراضٌ لأهمّ هذه السنن والآداب:


الاهتمام بالنظافة والترتيب

النظافة تُعبِّر عن المظهر الجميل في لباس وحياة الإنسان، وهي أساس كلّ زينة، لِذا فقد حثّ الإسلام عليها وأمر بها، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً ثيابه متّسخة، فقال متعجِّباً: (أما كان هذا يجدُ ماءً يغسلُ به ثوبَه)،[١] ذلك أنّ الظهور بملابس متّسخة وغير نظيفة يُنافي الجمال والترتيب، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه: (إنَّكم قادِمونَ على إخوانِكم، فأحْسِنُوا لِباسَكم، وأصْلِحُوا رِحالَكم حتَّى تَكونُوا كأنَّكم شامةٌ في النَّاسِ، إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ والتَّفَحُّشَ).[٢][٣]


استحباب إظهار نعمة الله في اللباس

يُستحبّ لمن آتاه الله من فضله أن يُظهر نعمة الله -تعالى- عليه في الملبس دون إسرافٍ أو تكبُّرٍ، فيلبس اللباس المرتّبة والجميلة والجديدة إظهاراً لنعم الله -تعالى- عليه، والناس في ذلك أصناف، فمنهم من يبخل ويشحّ على نفسه، ومنهم من يفرّط ويُسرف في الإنفاق، ومنهم الوسط الذي يُظهر نعمة الله عليه من غير إسراف أو تكبّر، ويدلّ على استحباب ذلك:[٤]


  • قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يُحِبّ أن يرى أثرَ نعمتهُ على عبدهِ).[٥]
  • عن مالك بن نضلة الجشمي -رضي الله عنه-: (أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم في ثوبٍ دونٍ فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم: ألك مالٌ؟ قال: نعم من كلِّ المالِ. قال: من أيِّ المالِ. قال قد آتاني اللهُ من الإبلِ والغنمِ والخيلِ والرقيقِ، قال: فإذا أتاك اللهُ مالاً فليُرَ عليك أثرُ نعمةَ اللهِ وكرامتِه).[٦]


استحباب التواضع في الثياب

لا تناقض بين هذا الأدب وما سبقه، فهناك العديد ممن آتاهم الله من فضله يلبسون الثياب الفاخرة بقصد الخيلاء والتكبّر، ويُقصد بالتواضع هنا كفّ النفس عن الكِبْر والخيلاء وحبّ الظهور، والزهد وترك الترفّه والتنعّم الدائم بقصد التواضع لا إظهار الفقر وكفران النّعم أو البخل والتشديد عن النفس، وإلا فالله يُحبّ من يُظهر نعمته عليه دون إسراف، وهذا يرجع إلى حال ونيّة صاحبه، ويدلّ على هذا الأدب:[٤]


  • عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: (دَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ، فأخْرَجَتْ إلَيْنَا إزَارًا غَلِيظًا ممَّا يُصْنَعُ باليَمَنِ، وَكِسَاءً مِنَ الَّتي يُسَمُّونَهَا المُلَبَّدَةَ، قالَ: فأقْسَمَتْ باللَّهِ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قُبِضَ في هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ).[٧]
  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (البَذاذةُ منَ الإيمان)،[٨] والبذاذة هي التقشّف والتواضع في الهيئة واللباس والتقلّل من الدنيا وترك إدامة التزيّن والمبالغة فيها دون أن يعني ذلك ترك النظافة ولبس الجميل وإظهار نِعم الله.


آداب أخرى في اللباس

هناك العديد من الآداب الأخرى التي يُستحبّ للمسلم مراعاتها في لباسه، ومنها ما يأتي:[٩]

  • ذكر الله -تعالى- عند اللباس

فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَبِسَ ثوبًا فقالَ: الحمدُ للهِ الَّذي كساني هذا ورَزَقَنِيهِ مِن غيرِ حَولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ؛ غُفِرَ له ما تَقدَّم مِن ذنبِهِ)،[١٠]


  • استحباب لبس البياض

ويدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (البَسوا من ثيابكم البياضَ، فإنها من خيرِ ثيابِكم، وكفِّنوا فيها موتاكم).[١١]


  • الحرص على النظافة والتجمّل في مواطن معيّنة

وهي مواطن اجتماع النّاس، مثل وقت صلاة الجمعة، وفي عيد الفطر وعيد الأضحى، فقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يُخصّص بعض الملابس لهذه المناسبات، ويحثّ على التنظّف عند اجتماع النّاس، وقد حرص العديد من أهل العلم على اتّخاذ ملابس خاصة نظيفة وجميلة عند الصلاة والذهاب إلى المسجد.


  • البدء باليمين عند اللباس

فقد ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ ما اسْتَطَاعَ في شَأْنِهِ كُلِّهِ، في طُهُورِهِ وتَرَجُّلِهِ وتَنَعُّلِهِ).[١٢]

المراجع

  1. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:4062، صححه الألباني.
  2. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:7575، صحيح الإسناد.
  3. محمد التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 242-243. بتصرّف.
  4. ^ أ ب محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 128-129، جزء 10. بتصرّف.
  5. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم:2819، حسن.
  6. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن مالك بن نضلة الجشمي، الصفحة أو الرقم:5239، صححه الألباني.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2080، صحيح.
  8. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي، الصفحة أو الرقم:3340، صححه الألباني.
  9. موقع وزارة الأوقاف السعودية، الآداب الإسلامية، صفحة 24-28. بتصرّف.
  10. رواه المستدرك على الصحيحين، في الحاكم، عن معاذ بن أنس، الصفحة أو الرقم:1894، صحيح على شرط البخاري.
  11. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:994، حسن صحيح.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:426، صحيح.