الفرق بين الصبر والصبر الجميل

الصبرُ خُلُقٌ كريمٌ وعظيمٌ لا يعلم بمقدار أجره وثوابه وجزائه إلا الله -تعالى-، وصدق الله إذ يقول: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)،[١] والصبر الجميل نوعٌ من أنواع الصبر، وبينهما فرقٌ دقيق، ولطائف جميلة، توضيحها فيما يأتي:


الصبر ومعناه عموماً

الصبر لغةً يدلّ على الحبس، وقد يحبس الإنسان نفسه راضياً، وقد يحبسها متذمِّراً أو شاكياً للنّاس،[٢] والصبرُ شرعاً هو أن يحبس الإنسان نفسه ويمنعها عن قول أو فعل شيءٍ يدلّ على كراهة قدر الله -تعالى- وقضائه، أو الاعتراض عليه، أو السخط والجزع.[٣]


الصبر الجميل

الصبر الجميل فيه معنى واسع وجميل، فهو صبرٌ بِلا شكوى، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "فَالْهَجْرُ الْجَمِيلُ هَجْرٌ بِلَا أَذًى، وَالصَّفْحُ الْجَمِيلُ صَفْحٌ بِلَا عِتَابٍ، وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ بِلَا شَكْوَى"،[٤] ومن جميل تفسير القشيري -رحمه الله- للصبر الجميل أنّه كان يقول: "الصبر الجميل ألا تستثقل الصبر بل تستعذبه"، وقال: "الصبر الجميل ما لا ينتظر العبد الخروج منه، ويكون ساكناً راضياً.[٥]


وإذا عُلِم ذلك بَان الفرق بين الصبر والصبر الجميل، لأنّ الصبر عموماً قد يُرافقه التشكّي لغير الله، وقد ذكر جمهور المفسّرين أنّ الصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه، ولا شكوى إلا لله -سبحانه-، فالصبر في قول الله -تعالى-: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)،[٦] وقوله: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا)،[٧] يعني الصبر الذي يُرافقه تسليم الأمر كاملاً لله -تعالى-، والرضا به، وعدم الجزع والشكوى أو القلق.[٨]


والشكوى لله -تعالى- لا تُنافي الصبر الجميل، وإنّما المقصود هنا الشكوى للنّاس وإظهار التذمّر، ولذلك قال يعقوب -عليه السلام- عندما اشتدّ به البلاء: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)،[٩] وكان في ذات الوقت صابراً لله صبراً جميلاً، راضياً محتسباً أجره عند الله،[١٠] فالصبر الجميل يُرافقه اللجوء إلى الله -تعالى-، والتضرّع بين يديه، مع اليقين بأنّه سيرفع الضرّ ويُجيب الدعاء.[١١]


ما يُعين على الصبر الجميل

هناك العديد من الأمور التي يُعين استحضارها على الصبر لله -تعالى- صبراً جميلاً، فينال صاحبها سلاماً وأُنساً وسكينةً عظيمة في صدره، ومن أبرز هذه الوسائل ما يأتي:[١٢]

  • علم العبد بأنّ هذه المصيبة قد اختارها الله -تعالى- وارتضاها له وقسمها عليه، وصِدْق إيمانه وعبوديّته لله يقتضي رضاه بما قدّره خالقه عليه.
  • اليقين بأنّ الله -سبحانه- سيعوّضه خيراً عظيماً على صبره، ففي عقبى الصعوبات دواءٌ وشفاءٌ وزوال همٍّ بإذن الله -تعالى-، ولذلك يقول -سبحانه-: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).[١٣]
  • تذكّر أنّ أعظم المصائب التي حلّت بالأمّة هي موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكلّ مُصابٍ بعد ذلك أقل، وأن يتذكّر أنّ النّاس جميعاً في امتحانٍ وبلاءٍ في هذه الدنيا، فلا يسلم من ذلك أحد.
  • أن يستحضر حقيقة الدنيا، ويتذكّر أنّها دار بلاء، لذلك فإنّ "مرارة الدنيا هي حلاوة الآخرة".
  • أن يعلم أنّ الجزع سيزيد مصابه ولن ينفعه، ويتسلّى بمن هو أشدّ منه بلاءً، ويتعزّى بأنّ أمره في النهاية إلى الله، ومصيره إليه، وهو رحمنٌ رحيم، جبارٌ لطيف.
  • أن يستحضر معيّة الله -تعالى- له، وأنّه يُحبّ الصابرين، ويرضى عنهم، ويُقرّبهم إليه، قال -تعالى-: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).[١٤]


الفرق بين الصبر والرضا

الصبر قد يرافقه الشعور بالألم وعدم تحمّله، وتمنّي عدم حصول ما وقع من الشدّة، وهذا كلّ لا يُنافي الصبر، لأنّ صاحبه رغم هذه المشاعر إلا أنّه أمسك قلبه ولسانه وجوارحه عن السخط والجزع، ولكنّ الرضا أعلى درجة من الصبر، فصاحبه لا يجد ذلك الألم والضيق، ويبقى مطمئناً بأنّ ما اختاره الله له هو الخير، فينشرح صدره بذلك.[١٥]


ومن الفروقات بين الصبر والرضا في الحكم أنّ الصبر واجب، ويأثم المرء إذا سخط ولم يصبر على ما أصابه من المكروه، أمّا الرضا فهو مستحبٌّ لا واجب، ودرجته أعلى من الصبر، وهي درجة السابقين بالخيرات، ولا يأثم المرء إذا لم يصل إليه، ولكنّه مطالبٌ بمجاهدة نفسه للوصول إلى هذه الدرجة العظيمة.[١٥]

المراجع

  1. سورة الزمر، آية:10
  2. "فصبرٌ جميل"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 6/8/2023. بتصرّف.
  3. "الفرق بين الصبر والرضا"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/8/2023. بتصرّف.
  4. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، صفحة 666، جزء 10.
  5. عبد الكريم القشيري، تفسير القشيري، صفحة 629، جزء 3.
  6. سورة يوسف، آية:18
  7. سورة المعارج، آية:5
  8. "فاصبر صبراً جميلاً"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/8/2023. بتصرّف.
  9. سورة يوسف، آية:86
  10. سيد حسين العفاني، دروس الشيخ سيد حسين العفاني، صفحة 11، جزء 38. بتصرّف.
  11. عائض القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 10، جزء 244. بتصرّف.
  12. "الوسائل المعينة على الصبر"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/8/2023. بتصرّف.
  13. سورة البقرة، آية:216
  14. سورة الأنفال، آية:46
  15. ^ أ ب "الفرق بين الصبر والرضا"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 6/8/2023. بتصرّف.