الوقف الذري

يعد الوقف من الأمور المهمة في الإسلام لمكانته العالية، وتظهر هذه الأهمية من خلال الأهداف التي يحققها الوقف، والتي تكمن بتقديم الخدمة لأبناء المجتمع الإسلامي، دون أن يلحق ذلك الضرر بمصالح الشخص الواقف وأهله وذريته، وفي الوقت نفسه يحقق النفع لأبناء المجتمع والأمة الإسلامية بما وقفه الواقف من خير متمثل ببناء مدارس ومساجد، وعلى هذا فقد اتفق العلماء على ذلك الهدف فقالوا بأن الله عز وجل شرع الوقف لما فيه من قربة إليه، ولما فيه من عطف على ذوي القربى والفقراء، وإن للوقف أنواعًا عديدة منها ما يصنف بحسب الموقوف عليه، وسنعرض في هذا المقال أبرز ما يتعلق بالوقف الذري وهو الوقف المخصص للذرية.^[١]

والوقف لغةً هو قَطْعُ الكلمة عن الكلمة التي بعدَها، وعند الفقهاء هو حبسُ العينِ على مِلْكِ الواقف أَو على مِلْكِ اللهِ تعالى.^[٢] والوقف اصطلاحاً هو حبس العين وتسبيل المنفعة، أي أن يخصص صاحب العين المنفعة الناتجة عنها ليصرفها لجهة خير معينة، مثل الفقراء والمساكين، أو الأيتام أو لجهة تعليمية.^[٣]

الوقف الذري

إن الوقف الذري هو نوع من أنواع الوقف بحسب الموقوف عليه، والمقصود بالوقف الذري حبس المال وعدم التصرف به لتكون منفعة هذا الوقف لصالح الذرية والأهل، وسماه البعض بالوقف الأهلي لتمييزه عن الوقف الخيري، فقد وقف الزبير بن عوام رضي الله عنه وقفًا ذريًّا، وقد رَوَى هِشامُ بنُ عُرْوَةَ، أنَّ الزُّبَيرَ جَعَل دُورَه صَدَقَةً على بَنِيه، لا تُباعُ ولا تُوهَبُ، وأنَّ للمَرْدُودَةِ مِن بَناتِه أن تَسْكُنَ غيرَ مُضِرَّةٍ ولا مُضَرٍّ بها، فإنِ اسْتَغْنَتْ بزَوْجٍ فلا حَقَّ لها في الوَقْفِ^[٤][٥].

الهدف من الوقف الذري

إن الهدف من هذا الوقف الذري هو البر بالذرية وأخذ الاحتياطات اللازمة لضمان العيش الكريم لهم، ولكن الهدف يجب أن يكون مشروعًا ومقبولًا في الشريعة الإسلامية، إذ إن بعض الناس يلجؤون إلى الوقف الذري من أجل التهرب من حق آخر، ومن هذه الأمور التي قد يتهرب منها الواقف ما يلي^[٦]:

1. الاحتيال على نظم إعادة التوزيع مثل الميراث، فالله سبحانه وتعالى قد حدد مقدار الورثة ومن يستحقها، وإن بعض الواقفين يفضلون الوقف من أجل منع الورثة عن أشخاص بعينهم.
2. التهرب من الزكاة، إذ إن مال الوقف يعد مالًا غير مملوك ملكية تامة فلا تجوز فيه الزكاة.
3. التهرب من الضريبة، ففي قانون الضريبة تعفى الأموال الموقوفة من الضريبة.
4. تحصين المال من الغصب والنزع الجبري.

مثال توضيحي على الوقف الذري

محمد وعلا تزوجا فإذا عمل محمد أو علا وقفًا ذريًّا وأنجبا أبناء وبنات فإن أبناءهم وبناتهم ونسلهم كاملًا ينتفع من الوقف.

هل أبناء البنات ليسوا من الذرية؟

إن الوقف الذري لم يرد في القرآن الكريم بشكل صريح ولفظ واضح، لذلك فإن قضية الوقف الذري تستند إلى اجتهادات إنسانية، ولكن هذه الاجتهادات تتوافق مع الشريعة الإسلامية التي توضح للذرية جميع حقوقها الشرعية فيما يتعلق بالوقف، وبناءً على هذا سنجد أن الاجتهادات الإنسانية بما يتعلق بالوقف تنقسم إلى عدة أمور^[١]:

1. أمر جائز شرعًا؛ مبني على أحكام شرعية تستند على ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والتي توضح عدم حرمان الذرية من البنات وأبنائهن.
2. أمر غير جائز شرعًا؛ إذا كان مبنيًّا على أحكام تخرج عن الشرع، ولا تستند على ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

أركان الوقف الذري وشروط كل ركن منه

تتشابه أركان الوقف الذري مع أركان الوقف بأنواعه الأخرى، لكن ما يختلف هو الموقوف عليه، وسنوضح تلك الأركان فيما يأتي^[٧]:

1. الصيغة

ويقصد بالصيغة الإيجاب الذي يصدر من الشخص الواقف الذي يريد أن يقف ملكًا له، ولا بد أن تكون عبارة الوقف دالة على إرادة الواقف بإنشاء الوقف لذريته وأهله وأولادهم، أو أن يحدد الواقف شخصًا معينًا من ذريته يريد أن ينشئ الوقف عليه، ومن هذه العبارات أن يقول الواقف: (حبست أو سبلت)،^[٨] أما بالنسبة لشروط الصيغة فلا بد أن يكون الوقف مؤبدًا خاليًا من أي وقت، فلا يجوز تحديد الوقت للوقف، وأيضًا من شروط صيغة الوقف الذري أن تكون منجزة أي قابلة للتحقيق الفوري ولا ترتبط بحصول أمر آخر، ولا بد من بيان مصرف الوقف؛ وذلك بأن يحدد الواقف الجهة التي يريد نفعها بالوقف، ويجب أن تكون الصيغة جازمة.

2. الواقف

وهو الذي يريد أن يعقد عقد الوقف، ولا بد أن يكون عاقلًا بالغًا راشدًا، غير محجور عليه.

3. المال الموقوف

وهو محل الوقف الذي يرغب الواقف أن يُجري عقد الوقف عليه، ومن شروطه: أن يكون مالًا متقومًا أي مباحًا شرعًا، وأن يكون مملوكًا ملكًا قابلًا للنقل.

4. الموقوف عليه

وهو المنتفع من الوقف، ويشترط أن يكون جهة بر، ويكون في الوقف الذري على الأبناء وما نزل منهم، دون انقطاع الجهة الموقوف عليها.