حكم طلاق الحامل

يقع طلاق الحامل شرعاً،[١] ولا يختلف وقوع طلاقها عن وقوع طلاق الزوجة غير الحامل، أمّا القول بأن طلاق الحامل لا يصحّ فهذا لا دليل عليه، ولا أصل له في كلام أهل العلم، وهو رأي بعض عوامّ النّاس، ويدلّ على وقوع طلاق الحامل شرعاً ما أخرجه الإمام مسلم: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذلكَ عُمَرُ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا).[٢]


وفي الحديث دلالةٌ صريحةٌ على أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جعل تطليق الحامل كتطليق الطاهر التي لم تُمسّ، لِذا فإن طلاق الحامل لا يعتبر بِدْعيَّاً، بل هو نوعٌ من أنواع الطلاق السّنّي، أمّا الطلاق البدعي المنهي عنه فهو تطليق المرأة الحائض أو النفساء،[٣] وقد نقل الإجماع على وقوع طلاق الحامل غير واحدٍ من أهل العلم، ومن ذلك:[٤]

  • قول ابن قدامة -رحمه الله-: "ولا نعلم خلافًا أن طلاق الحامل إذا تبين حملها طلاق سنة، إذا طلقها واحدة، وأن الحمل كله موضع للطلاق".
  • قول ابن عبد البر -رحمه الله-: "الأمة مجمعة على أن الحامل تطلق للسنة إذا استبان حملها من أوله إلى آخره، وأن الحمل كله كالطهر الذي لم يجامع فيه".


عدة الحامل المطلّقة

عدة المرأة الحامل التي طلّقها زوجها تكون بوضع حملها؛ أي بولادة طفلها، حتى لو بقي لذلك ليلة واحدة فقط، استناداً إلى قول الله -عز وجل-: (... وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ...)،[٥][٦] سواءً كان الطلاق رجعياً أم بائنا بينونة صُغرى أن بائناً بينونة كُبرى، لأنّ الحكمة من عدّة المرأة بعد الطلاق هي التأكّد من براءة الرحم، وهذا لا يحصل إلا بوضع الحمل للمطلّقة الحامل.


أمّا متى يُشرع للمعتدّة بوضع حملها الزواج؛ أهو بالطهر من النفاس أم بمجرّد وضع حملها؟ فقد أفتى جمهور أهل العلم بأنّ للمرأة الزواج بعد وضع حملها وإن كانت في فترة النّفاس، لأنّ العدّة الشرعية تنقضي بوضع الحمل، ولكن بشرط أن لا يحصل الدخول حتى تطهر، لقول الله -تبارك وتعالى-: (... وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ...).[٧][٨]


بعض الأحكام المتعلقة بطلاق الحامل

يأخذ طلاق الحامل أحكام الطلاق الرجعي أو البائن؛ فإن طلّق الرجل زوجته الحامل طلاقاً واحداً ولم تنقضِ فترة عدّتها كان الطلاق حينها طلاقاً رجعياً، ولهما أن يرجعا إلى الزوجية بدون عقد زواجٍ جديد طالما كانت الزوجة في فترة العدّة، أما إذا انقضت عدّتها وكان زوجها قد طلّقها طلقةً واحدة أو اثنتين جاز له أن يرجعها إذا رضيت بعقدٍ ومهرٍ جديد، لأنّ الطلاق هنا يصبح بائناً بينونةً صُغرى.[٩]


وإن طلّقها ثلاث طلقات فلا تحلّ له، ولا يجوز أن ترجع إليه إلا إذا تزوجت زواجاً صحيحاً وفارقها زوجها الثاني بطلاقٍ أو موت، وتجب على الزوج النفقة على زوجته المطلّقة طيلة فترة حملها، فإذا انقضت فترة الحمل سقطت النفقة، أمّا نفقة الابن أو الابنة فهي واجبة على الأب كذلك، ويجوز أن يعطي الزوج نفقة الأبناء بالتراضي مع المطلّقة وأهلها بدون تحديد، فإن اختلفوا أسندوا الأمر إلى القاضي ليحكم بالنّفقة المستحقّة كل شهر.[٩]

المراجع

  1. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود، صفحة 20، جزء 463. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر ، الصفحة أو الرقم:1471، صحيح.
  3. ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 47-48، جزء 22. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، صفحة 478، جزء 3.
  5. سورة الطلاق، آية:4
  6. حمد الحمد، روس الشيخ حمد الحمد، صفحة 25، جزء 15. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:222
  8. كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 324، جزء 3. بتصرّف.
  9. ^ أ ب محمد المسند، فتاوى إسلامية، صفحة 269، جزء 3. بتصرّف.