شرع الله سبحانه وتعالى العلاقة الزوجية لبني آدم، إذ خلق حوَّاء من ضلع آدم، وجعل لنا الزواجَ للسّكينة والمودة والرحمة، كما قال الله سبحانه وتعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"[١]، ومن مقاصد الزواج حفظ النسل وبناء الأجيال وفق أسس وضوابط وأخلاق ينشأ عليها المجتمع المسلم، من خلال الأسرة المترابطة المتماسكة، وكما شرع الله الزواج، فإنّه شرع الطلاق للعودة الحميدة عن العلاقات الزوجية التي لم يكتب لها التوفيق أو الاستمرار؛ بسبب النِّزاع والشِّقاق، وعدم الاتفاق بين الزوجين، ولكن هذا الطلاق يجب أن يكون ضمن ضوابط وأحكام متعددة ومتكاملة، مستمدَّة من شريعتنا الإسلامية.


إن مشروعيَّة الطلاق مستمدَّةٌ من كتاب الله عز وجل، ومن سنة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه وتعالى: "وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"[٢]، وقد حثت الشريعة أيضًا على الصُّلح وحفظ العلاقات الأسرية من التفكك في حال وجود أمل باستمرارها بغير ضررٍ على الزوجين دونَ اللجوء إلى الطَّلاق، والله سبحانه وتعالى جعل في الطلاق عدَّة تعتدها المرأة في بيتها؛ لأسبابٍ كثيرةٍ من أهمّها: أسباب تربويةٌ تتمثل بأن يفكّر الزوجان إن كان قد أخطأ أحدهما بحق الآخر، أو وجد في نفسه رغبةً في الرجوع، إن أرادا صلحًا فيما بينهما.


أقسام الطلاق البائن

وللطلاق البائن قسمان ذكرهما العلماء، وبيَّنوا ما يترتَّب على الزوج والزوجة في كلٍّ منهما، وفيما يأتي توضيح لهما[٣]:


طلاق بائن بينونة صغرى

وهو الطَّلاق الذي يُلزم الرجل عند إرجاع امرأته بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ويُشترط رضا المرأة، وكلُّ شروط صحَّة انعقاد العقد الجديد، وحالاته كالآتي:

  • إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، ولم يرجعها خلال فترة عدّتها، تكون قد بانت منه بينونة صغرى، ومدَّة عدّتها تختلف، فإمّا أن تكون ثلاث حيضات للمرأة الحائض، وثلاثة أشهر لمن دخلت مرحلة اليأس، وأخيرا تكون مدَّة العدة في مدَّة وضع الحمل للمرأة الحامل.
  • في حالة خَلع الزّوج، يطلّقها طلاقًا بائنًا بينونة صغرى، والحكمة هنا أنَّ خيار الطّلاق كان بطلبٍ من الزوجة، فلا يصحُّ أن يكونَ رجعيًّا، لإرجاع الزَّوجة دون موافقتها.
  • أن يطلّق الرجل امرأته قبل الدخول، وهنا لا تعتدّ المرأة في حالة الطلاق قبل الدخول، فلم يوجب الله عزّ وجلّ عليها شيئاً من العدة، ودليل ذلك قول الله تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا"[٤].


وينتج عن الطلاق البائن بينونة صغرى، أنّه لا يحلُّ للرجل إرجاع الزوجة كما في الطلاق الرجعي، بل يلزمه عقد ومهر وشهود جدد، ويشترط رضا الزوجة برجعتها، بعكس الطلاق الرجعي الذي يجوز فيه للزوج إرجاع زوجته خلال العدة دون شروط، وأيضًا في حالة الخلعِ من الزوجة يكون الطلاق بائنًا بينونة صغرى؛ فلو أرادت المرأة الخلع فما العبرة بأن يرجعها الرجل وهي صاحبة الخيار بالطلاق[٥].


الطلاق البائن بينونة كبرى

وهو الطَّلاق الذي يفارق به الرجل امرأته دون رجعة، إلّا بعد زواجها برجلٍ آخر برغبةٍ، وليس لمنفعة التّحليل، ويدخل بها دخول الزوج لزوجته، ثم يفترق عنها إمَّا بالطلاق وإما بالموت، وحالته تكون إذا طلّق الرجل زوجته طلقةً ثالثةً، لقوله تعالى: "فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"[٦].


وهنا تجب الإشارة إلى أنّه إذا وقعت على المرأة ثلاثُ طلقات في وقت واحدٍ ولم يطلقها من قبل، يكون الطلاق واحدًا رجعيًّا، إذ إن من شروط الطلاق البائن بينونة كبرى هو الطلاق الثالثُ مع وجود طلقتين من قبله غير مجتمعتين في الزمن، ولا يجوزُ للمرأة زواجها من آخر بنيَّة الرجوع عن طلاقها، ورجوعها لزوجها الأول، فهذا من المحرَّمات التي أجمع عليها جميع العلماء[٧].


أنواع الطلاق

للطَّلاق أنواعٌ ذكرها العلماء، وفصَّلوا في بيانها، وما يترتَّب على كل نوعٍ منها، وهذه بعض أنواع الطلاق من حيث الأثر المترتب عليه[٨]:

  • الطلاق الرجعي: وهو الطلاق الذي يمكن للرجل فيه أن يعيد زوجته دون الحاجة إلى عقدٍ ومهرٍ جديدين، وذلك في حال طلقها الطلقة الأولى أو الثانية وأرجعها قبل أن تنتهي عدتها.
  • الطلاق البائن: هو الطَّلاق الذي لا يَحلُّ فيه للرجل إرجاع زوجته المُّطلقة، إلا إذا رضيت، وكان بينهما عقدٌ ومهرٌ جديدان؛ وذلك في حال طلقها الزوج الطلقة الأولى أو الثانية وانتهت عدتها قبل أن يرجعها، أو أن يطلقها الطلقة الثالثة وفي هذه الحالة لا يحل له إرجاعها إلا إذا تزوجت غيره وطلقها، لذلك أكدت الشريعة الإسلامية على دعوتها لإصلاح ذات البين، وعدم التّهاون في مسألة الطلاق.


المراجع

  1. سورة الروم ، آية:21
  2. سورة البقرة ، آية:227
  3. "الفرق بين البينونة الصغرى والكبرى "، الإسلام سؤال وجواب ، 21/3/2017، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  4. سورة الأحزاب ، آية:49
  5. "تعريف الطلاق البائن "، إسلام ويب ، 4/6/2002، اطّلع عليه بتاريخ 8/8/2021. بتصرّف.
  6. سورة البقرة ، آية:230
  7. عبدالله الصاعدي ، الإرشاد إلى أحكام الطلاق، صفحة 15.
  8. "أنواع الطلاق"، الإسلام سؤال وجواب. بتصرّف.