اهتمّ دين الإسلام اهتمامًا كبيرًا في تنشئة المسلم على الأخلاق العظيمة، ومن أهم هذه الأخلاق: خُلق الأمانة، وقد جاءت نصوصٌ شرعيّة كثيرةٌ من القرآن الكريم والسنّة النبويّة على ذكر الأمانة، ومن ذلك قول الله -سبحانه وتعالى- في الأمر بأدائها: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)،[١] وكذلك حذر الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد-عليه الصلاة والسلام- من خيانة الأمانة؛ قال -عليه الصلاة والسلام- في توصيف المنافق: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"؛[٢] فالرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل خيانة الأمانة إحدى علامات النفاق،[٣] وآتيًا في هذا المقال حديثٌ عن خيانة الأمانة وبعض الأمور المتعلّقة بها.


ما هي خيانة الأمانة؟

تعود الخيانة في أصلها اللغوي إلى الجذر اللغويّ خون، ويقال: خانه الحظُّ؛ تقلَّب عليه، أي غيّر حاله من اللين إِلى الشدّة وما هو أسوأ،[٤] وعّرف ابن الجوزي الخيانة بأنّها: "التَّفْرِيط فِيمَا يؤتمن الْإِنْسَان عَلَيْهِ".[٥]


صور خيانة الأمانة

حذّر الله -سبحانه وتعالى- المسلمين من الخيانة بصورها المختلفة، وآتيًا بيانٌ لهذه الصور.[٦]


خيانة المسلم لله ورسوله

وقد ورد ذكر هذه الصورة في مواطن من القرآن الكريم منها قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[٧] ويقصد بخيانة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام؛ معصيتهم وعدم التزام أمرهم.[٦]


خيانة المسلم لنفسه

خيانة المسلم لنفسه تكون بقيامه بالأعمال التي تغضب الله -سبحانه وتعالى- وارتكابه لما أمره بالابتعاد عنها.[٦]


خيانة الناس

وهي على أنواعٍ، منها:[٦]

  • خيانة المسلم لمال الناس: وذلك بقيام الإنسان بأكل أموال الناس بالباطل، وإنكار الأمانات التي توضع عنده.[٦]
  • خيانة المسلم بإفشاء أسرار الناس: فمن صور الخيانة إفشاء المسلم سر أخيه المسلم من أجل تحقيق مصلحةٍ شخصيّةٍ؛ إذ يحرم على المسلم أن يفشي السرّ، إلّا إذا كان في إفشائه مصلحةٌ عامَّةٌ كنصرة مظلومٍ، وإظهار حقٍّ، ومساعدةٍ في تحقيق العدل.[٦]
  • الخيانة في نصح الناس: وذلك بأن يوجه المسلم غيره من الناس إلى أمرٍ فيه سوءٌ ويؤدّي إلى أذى في الدنيا والآخرة، مثل قطع الأرحام والإفساد، أو أن يقوم المسلم بمجاملة فاسقٍ أو مدح أفعاله.[٦]


ذكر الخيانة في القرآن الكريم

جاء ذكر الخيانة في القرآن الكريم على أوجهٍ، فيما يلي ذكرٌ بيانٌ لبعضها.[٨]


الوجه الأول: المعصية

جاءت آياتٌ كثيرةٌ في القرآن الكريم تدلّل على كون خيانة الأمانة معصيةً، ومن ذلك ما ورد في سورة البقرة من قوله تعالى: (علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم)،[٩] وذُكر أنّ سبب نزول هذه الآية؛ أنّ الأمر في بداية الدعوة كان على أنّه إذا نام أحدٌ في ليل رمضان أو صلّى العشاء؛ فلا يجوز له أن يأكل أو يشرب أو يُجامع زوجته، فوجد بعض المسلمين مشقَّةً في هذا الأمر؛ فكان بعضهم يصيبون نساءهم ويأكلون الطعام ويشربون؛ فنزلت هذه الآية التي تبيّن أنّ فعلهم هذا وجهٌ من وجوه خيانة النفس.[١٠]


الوجه الثاني: نقض العهد

والوجه الثاني من وجوه خيانة الأمانة في القرآن الكريم هو نقض العهد، وقد وردت آياتٌ كثيرةٌ في كتاب الله -سبحانه وتعالى- تبيّن هذا الأمر، منها قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم)،[١١] وفي هذه الآية خطابٌ للنبيّ -عليه الصلاة والسلام- بأن لا يعجب من نقض اليهود للميثاق والعهد؛ إذ هو ما كان عليه آباؤهم وأجدادهم.[١٢]


الوجه الثالث: المخالفة في الدين

من وجوه خيانة الأمانة؛ مخالفة في الدين ما قاله الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (إِن الله لَا يحب من كَانَ خوانًا أَثِيمًا)،[١٣] وتبين لنا هذه الآية أنّ الله -سبحانه وتعالى- لا يحبّ من يتّصف بصفة الخيانة، ويخون الناس في أموالهم.[١٤]


الوجه الرابع: الزنا

الوجه الرابع من وجوه خيانة الأمانة؛ الزنا، ومثاله قول الله- سبحانه وتعالى- في سورة يوسف: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)؛[١٥] فامرأة العزيز تقول إنّ اعترافها بما قامت به؛ كي يعلم زوجها أنّها لم تخنه بارتكابها لفاحشةٍ.[١٦]


أهمية الأمانة في الإسلام

إنّ للأمانة أهمِّيّة عظيمةً في المجتمع الإسلامي، وقد جاءت نصوصٌ شرعيَّةٌ كثيرةٌ مبيِّنةٌ لأهمّيّة الأمانة وفوائدها العائدة على المجتمع والفرد المسلم، وتظهر أهمية الأمانة في أنّها من خصال الأنبياء والرسل وصفاتهم؛ فقد كان النبيّ محمد -عليه الصلاة والسلام- معروفًا في قومه بالصادق الأمين، كما وصف الله تعالى موسى -عليه السلام- بالقويّ الأمين؛ لذا فإنّ على المسلم أن يحرص على أن يكون أمينًا في جميع جوانب حياته؛ لينال رضا الله سبحانه وتعالى.[١٧]

المراجع

  1. سورة النساء، آية:58
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6095 ، صحيح.
  3. "خيانة الأمانة والمال المكتسب من ذلك "، إسلام ويب، 30/10/2015، اطّلع عليه بتاريخ 28/11/2021. بتصرّف.
  4. "تعريف و معنى تخوين في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 28/11/2021.
  5. [ابن الجوزي]، كتاب نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، صفحة 281.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ " صور الخيانة "، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2/12/2021. بتصرّف.
  7. سورة الأنفال، آية:28
  8. ابن الجوزي، كتاب نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، صفحة 282. بتصرّف.
  9. سورة البقرة، آية:187
  10. "تفسير (عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ) "، إسلام ويب، 17/2/2005، اطّلع عليه بتاريخ 28/11/2021. بتصرّف.
  11. سورة المائدة، آية:13
  12. الطبري، تفسير الطبري، صفحة 131. بتصرّف.
  13. سورة النساء، آية:107
  14. الطبري، تفسير الطبري، صفحة 96. بتصرّف.
  15. سورة يوسف، آية:52
  16. الطبري، تفسير الطبري، صفحة 241. بتصرّف.
  17. " أهمية الأمانة"، الألوكة، 1/1/2018، اطّلع عليه بتاريخ 28/11/2021. بتصرّف.