إنّ الأمانة من الأخلاق العظيمة التي حثّت الشريعة الإسلاميّة عليها وأوصت بها، وحذّرت من تضييعها أو التفريط فيها؛ لما يترتّب على ذلك من مفاسد عظيمةٍ على الأفراد والمجتمع ككل، وفيما يلي حديثٌ عن تجلّيات وصور الوفاء بالأمانة.


ما هي تجليات الوفاء بالأمانة؟

تجلّيات الوفاء بالأمانة بابٌ كبيرٌ واسعٌ، وأصل تجلّيات الوفاء بالأمانة يعود إلى أمرين أساسين هما: الأمانة في حقوق الله سبحانه وتعالى، والأمانة في حقوق الناس، وفيما يلي توضيحٌ لهذه التجليات بشكلٍ مفصَّلٍ.[١]


الوفاء بأمانة أداء ما فرضه الله سبحانه وتعالى على عباده

تظهر هذه الصورة من صور الأمانة من خلال التزام الناس بالعبادات التي كلّفهم الله -سبحانه وتعالى- بها؛ بحيث يقوم بهذه العبادة على أكمل وجه، فهذه العبادة هي أمانة من الله -سبحانه وتعالى- لعباده.[١]


الوفاء بأمانة الأموال

يُقصد بالوفاء بأمانة الأموال أن يعفّ الإنسان نفسه عن مال غيره الذي ليس له حقٌّ فيه، وكذلك عند قيام شخصٍ ما بوضع أمانةٍ تحت يدٍ أخرى؛ فيجب على المؤتمن لهذه الأمانة أن يردّها إلى صاحبها، وتتضمّن هذه التجلية الأمانة في البيوع والمواريث والديون وغيرها، فهذه تدخل تحتّ صورة الوفاء بالأموال.[١]

الوفاء بأمانة الأعراض

تتوضح هذه الصورة بأن يعفّ الإنسان نفسه عن أعراض الناس، فيكفّ لسانه ونفسه عن كلّ ما يلحق السوء بأعراض الآخرين، فيبتعد عن القذف والغيبة.[١]


الوفاء بأمانة حفظ الجسد والروح

يظهر الوفاء بهذه الصورة من خلال حفظ الإنسان لجسده وروحه؛ بحيث لا يستعمل الإنسان نفسه ويده في فعل السوء؛ مثل: القتل، والجرح وما شابه ذلك.[١]


الوفاء بالأمانة في المعارف والعلوم

تتمثّل هذه الصورة من الوفاء بالأمانة في إيصال المعلومات دون تحريفٍ أو زيادةٍ أو تغيرٍ، ونسبة الأقوال إلى غير أصحابها.[١]


الوفاء بأمانة الولاية

إنّ للوالي كثيرًا من المهام التي يجب أن يتقي الله فيها، ويحافظ على أدائها بأمانةٍ وإخلاصٍ، منها: أداء الحقوق إلى أهلها، وكذلك إسناد الأعمال التي تتعلّق بالناس المتولّي عليهم إلى أشخاصٍ مستحقّين ويتمتّعون بالكفاية التي تمكّنهم من تأدية هذه العمل بشكلٍ جيِّدٍ، وكذلك تظهر أمانة الوالي بحفظ أموال الناس وحفظ أسرار الدولة، وغيرها من الوظائف التي تناط بالوالي؛ فكلّها يجب أن يؤديها بأمانةٍ وإخلاصٍ.[١]


الوفاء بأمانة الشهادة

يُقصد بالوفاء بأمانة الشهادة أن يقول الشخص المطلوب للشهادة ما رأى دون زيادةٍ أو نقصانٍ أو تغييرٍ.[١]


الوفاء بأمانة القضاء

يظهر الوفاء بهذه الأمانة من خلال قيام القاضي بتطبيق الأحكام التي تتّصف بالعدل والتي استؤمن عليها.[١]


الوفاء بأمانة الكتابة

يتمثّل هذه النوع من الأمانة بقيام الكاتب بالوفاء بما يكتب؛ بأن يقوم بكتابة كلّ ما أُملي عليه بشكلٍ صحيحٍ؛ كذلك ينسخ ما طلب منه نسخه دون زيادةٍ أو نقصانٍ أو تحريفٍ.[١]


الوفاء بأمانة حفظ الأسرار

يكون ذلك بحفظ أسرار الشخص المستأمن وعدم قولها للغير، أو إفشائها لأيّ سببٍ.[١]


فوائد الأمانة

يفوز الإنسان المتخلّق بخلق الأمانة بفوائد وثمراتٍ جميلةٍ، ومنها:[٢]

  • الحرص على التحلّي بخلق الأمانة يعدّ كمالًا لإيمان الإنسان المسلم.
  • إنّ في التزام الأمانة حفظًا لأعراض الناس وأموالهم وأجسامهم وحتى أرواحهم.
  • ينال الشخص الأمين رضا الله -سبحانه وتعالى- ومحبّته.
  • يحصل الشخص الأمين على محبة الناس واحترامهم له.
  • انتشار الخير في المجتمع الذي تسوده الأمانة.
  • يبارك الله -سبحانه وتعالى- في المجتمعات التي تقوم على أساس الأمانة.


فضل الأمانة

يتبدّى فضل الأمانة من خلال جملةٍ من الأمور، منها:[٣]

  • أمر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم بتأدية الأمانات إلى أصحابها، فقال الله تعالى: (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).[٤]
  • نهى الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم عن الصفات المعاكسة للأمانة مثل الخيانة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).[٥]
  • تعدّ الأمانة خصلةً من خصال المؤمنين الذين فازوا في الدنيا والآخرة؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).[٦]
  • وصف الله -سبحانه وتعالى- الإنسان بأنّه شديد الهلع والخوف، واستنثى منهم الذين يصلون، والذين يحافظون على الأمانات؛ فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).[٧]
  • عند تأدية الأمانات يأمن الناس بعضهم البعض؛ وبالتالي ستتيسّر أمور الناس في قضاء حاجاتهم ومعاملاتهم التي يحتاجونها في حياتهم؛ فقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ).[٨]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز " صور الأمَانَة "، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، كتاب موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 87. بتصرّف.
  3. "خطبة عن فضل الأمانة"، الألوكة، 18/1/2016، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2021. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:58
  5. سورة الأنفال، آية:27
  6. سورة المؤمنون، آية:1-8
  7. سورة المعارج، آية:32
  8. سورة البقرة، آية:283