دعت الشَّريعة الإسلاميَّة متمثِّلةً بنصوص القرآن الكريم وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى الالتزام بالمبادئ التي جاءت بها، والسير على المنهج الذي رسمته للمسلم، فمن أهم المبادئ مبدأ الشُّورى، إذ إن في تطبيقه والعمل به نفعًا كبيرًا جدًّا على مستوى الفرد والجماعة، ولا نكاد نجدُ مبدأً شرعيًّا إلَّا وقد نظَّمت الشَّريعة أمر التَّعامل معه، وتحديد آليته، وتحدَّد الآلية بالنَّظر في ظروف المجتمع وزمانه ومكانه، فتكون الشُّورى بذلك صالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وتتماشى مع واقع المجتمع المسلم ومتطلباته، وبذلك فقط تكون الشُّورى نظامًا ومنهاجًا قويمًا ملائمًا للجميع، ولعلَّ النَّاظر إلى مبدأ الشُّورى يعلمُ تمامًا أنَّها ليست مجرد مصطلح فيه جمود، بل إنَّها نظامٌ ليِّنٌ وخلقٌ عظيمٌ، فيها من الصِّفات ما يجعلها منهجًا يتعبَّدُ المسلم من خلاله ويتقرَّبُ به إلى الله سبحانه وتعالى، وتتقرَّب به الأمة كذلك إلى خالقها.


كيفية الشورى في الإسلام

للشورى في الإسلام مكانةٌ عظيمةٌ في نظام الحكم الإسلامي، فهي وصيَّةُ رب العالمين في خلقهِ، وأولَّ من طبَّقها في الإسلام هو رسولنا الكريم محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وقد كانت لها مكانةٌ وأهميةٌ عند الخلفاءِ من بعده، وأقوالُ الصَّحابة والعلماء تحثُّ المجتمع المسلم على الشُّورى، والحرص على العمل الجماعي في بناء الدولة المسلمة، لكنَّ الشريعة الإسلامية حددتها بحدود تحفظ النظام العام، وتحافظ على الاتزان العام في المجتمع؛ لذلك خصّت الشريعة الإسلامية الشورى في فئة من المجتمع إن توافرت هذه الشروط كان من أهل الشورى والاستشارة، وفيما يأتي توضيح لتلك الشروط التي يجب توافرها في المرء الذي يمكن أن يكون من أهل الشورى:[١]

  • أن يكون كامل العقل رزينًا، وإنَّ من أهم ما يجعله كذلك هي كثرة التجارب.
  • أن يكون من أهل الدين والتقى، فلا يستقيم الرأيُ إلَّا بالدِّين، فمن وافق رأيه الدين أُخذ به.
  • أن يكون من أهل الود في نصيحته، فبالودِّ يستقيم الرأي ويكون أكثر صدقًا.
  • أن يكون سليم النفس والفكر، لا يشوب فكره شيءٌ من همومه فيُؤثِّر على رأيه سلبًا.
  • ألا يكون له غرضٌ في المشورة، ولا منفعةٌ تساعده؛ فتميل نفسه لها فيفسد رأيه.


مكانة الشورى في الإسلام

للشُّورى مكانة عظيمة في شريعتنا الإسلاميَّة، ولها أهمِّية كبيرة أيضًا، وفيما يأتي عرض لبعض ما يدل على مكانة الشورى:[٢]

  • أمر الله عز وجل بالشورى بوصفها منهجًا إلهيًّا، ويظهر ذلك في قوله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"،[٣] كما أنها صفةٌ من صفات المجتمع المسلم، كما جاء في قوله تعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ".[٣]
  • تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم الشورى تطبيقًا عمليًّا، ويظهر ذلك في قول أبي هريرة رضي الله عنه: "ما رأَيْتُ أحدًا أكثرَ مشاورةً لأصحابِه مِن رسولِ اللهِ".[٤]
  • نزول سورة باسم (الشورى)، وفي ذلك تنبيه للمؤمنين بمكانتها، وليتعلَّم المؤمنون أنَّ المشورة منهاجُ حياةٍ متكاملٍ ذو أثرٍ عظيمٍ على الفرد والمجتمع.


ولما لهذا المبدأ من أثر عظيم هام في حياة المؤمنين، فقد كان الرسول الكريم أكمل الناس خُلقًا وعقلًا، وأغزرهم علمًا يُشاور أصحابه والمؤمنين، على الرَّغم من أنَّه ليس بحاجة لها أصلًا؛ كونه مؤيدًا بالوحي، ومعصومًا عن الخطأ، وذلك ليعلِّم الناس أهميّة هذا المبدأ؛ كي لا يشعر أحدٌ بعدم حاجته للشّورى، أو يظن أنَّه في غنًى عنها.


ثمار الشورى وفوائدها

تُعدّ الشورى أمرًا من أوامر الله سبحانه وتعالى، ففيها كمالٌ لملامحِ الحكم الإسلاميّ الصحيح، وقد أمرنا بها الله سبحانه وتعالى، وعمل بها رسوله صلى الله عليه وسلم لنقتدي بسنته، وقد قال تعالى في ذلك: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"،[٣] فالشورى لها أثرٌ إيجابيٌّ عظيمٌ على حياة المسلمين خاصّتهم وعوامّهم، ومن تلك الآثار ما يأتي:[٥]

  • يسود في مجتمعات الشورى مبدأ التّكاتف والتّعاضد، فالمسؤولية عند أهل الشّورى عامّة يحملها الجميع، ولا تدخل فيها المصالح الشخصية، أو يكون فيها القرار فرديًّا طاغيًا.
  • يعيش المجتمع الذي يعمل على مبدأ الشورى بمشاعر الأمن والأمان، والثّقة بين أفراده وبين الفئة الحاكمة لهذا المجتمع.
  • تحمل مجتمعات الشورى مشاعر التّلاحم والتّعاضد والتّماسك والانتماء.
  • تكون القرارات نافعة وخادمة لمصلحة الجميع في المجتمعات التي تعتمد مبدأ الشورى، فمبدأ الشورى يرجّح المَنفعة العامة على أيّ منفعةٍ شخصيةٍ، وبهذا فتلك المجتمعات تسيرُ بالتّقدم والازدهار بجميع أطيافها ومكوّنات المجتمع فيها.
  • يُرسِّخ مبدأ الشورى في المجتمعات مفهومَ المسؤولية المشتركة، والتي بدورها تدفع الفرد للتّقدم والتّعلم والاختصاص؛ لأنّه يعلم بأنّ تقدّم المجتمع يرتكز عليه بشكلٍ أو بآخر، بهذا يضمن مبدأ الشورى الرّفعة للفرد والمجتمع.


ومن الجدير ذكره هنا ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن فوائد الشورى، إذ قال إنّها تكمُنُ في استنباط الصواب، واكتساب الرأي، وفيها تحصُّن عن السَّقطة، وحِرْزٌ من الملامة، ونجاةٌ مِن الندامة، وألفةُ القلوب، واتّباع الأثر.


المراجع

  1. "الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية"، طريق الإسلام ، 22/2/2021، اطّلع عليه بتاريخ 1/9/2021.
  2. "الشورى منهاج حياة "، إسلام ويب ، 3/4/2018، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت سورة الشورى، آية:38
  4. رواه شعيب الأرناؤوط ، في تخريج صحيح ابن حبان، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم:4872، إسناده صحيح .
  5. عبدالرحمن صادق (10/10/2016)، "منظومة الشورى في الإسلام "، الألوكة الشرعية ، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.