تعريف عقود التبرعات

قسّم العلماء العقود من حيث العِوض إلى عقود معاوضات وعقود تبرعات، والتبرّع في اللغة يعني التطوّع، أمّا عقود التبرّع اصطلاحاً عند الفقهاء فلم يضعوا له تعريفاً جامعاً، وإنّما عرّفوا أنواعه بالتفصيل؛ كالوقف، والهبة، والوصية، وغيرها، ويُستخلص من هذه التعريفات أنّ عقود التبرّعات هي:[١]

  • العقود التي يجري فيها التمليك دون مقابل وبغير إلزام.
  • أو هي ما يبذله الشخص من المنافع أو المال لغيره على سبيل التبرّع بدون عوضٍ بقصد البرّ والمعروف في الغالب.[٢]


ومن هذه التعريفات يُعلم أنّ عقود التبرّعات تختلف عن عقود المعاوضات في العديد من الأمور، لِذا لا يصحّ قياس المعاوضات عليها؛ لأنّ عقود التبرّعات يُتسامح فيها ما لا يُتسامح في عقود المعاوضات؛ ترغيباً للناس على الخير والمعروف وحثاً لهم على ذلك.[٣]


حكم عقد التبرّع

عقد التبرّع غير لازمٍ، ولكنّ الشرع عموماً حثّ على الخير، ولا شكّ أن التبرّع لوجه الله مندوبٌ ومستحبٌّ من حيث الأصل، وقد حثّ الشرع على التوسّع فيه؛ لأنّه مبنيٌّ على الإحسان المحض، لقول الله -سبحانه-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى).[٤][٥]


أمّا من حيث الخصوص فقد اتّفق الفقهاء على أنّ عقد التبرّع تعتريه الأحكام الخمسة، ومن الأمثلة على ذلك الوصيّة، فهي نوعٌ من عقود التبرّع، فتكون واجبةً إذا كانت لتدارك فريضةٍ فاتت صاحبها؛ كالزكاة، وتكون مستحبَّةً بحدود الثلث إذا كان الورثة أغنياء، وتكون محرَّمةً إذا أوصى صاحبها بمعصية، ومكروهةً إذا أوصى بها لفقيرٍ بعيد مع وجود فقير من ذوي القُربى، ومباحةً عند الوصية للغني بأقل من الثلث، وهكذا الأحكام بالنسبة لبقية التبرّعات.[١]


أبرز أنواع عقود التبرعات

إنّ لعقود التبرّع العديد من الأنواع، ومنها: الهبة، والصدقة، والوصية، والوديعة، والرّهن، والوكالة، والوقف، وغيرها، ومن هذه الأنواع ما يكون تبرُّعاً بعين؛ كمن يهب سيّارته لفلان، ومنها ما يكون تبرُّعاً بمنفعة؛ كمن يهب غيره منزله ليسكنه مدّة شهر، ومنها ما يكون في الحال؛ كمن يهب سيّارته لغيره في الحال، أو مؤجَّلاً؛ كمن يهب من راتبه لفلان في آخر الشهر، ومنها ما يكون مُضافاً لِما بعد الموت؛ كالوصية.[٥]


ونذكر أبرز أنواع عقود التبرعات على سبيل المثال لا الحصر فيما يأتي:


الوقف

الوقف هو حبس مالٍ أو منفعةٍ بقطع التصرّف بها من الواقف وغيره مع بقاء عينها على وجهٍ مباح شرعاً أو بصرف ريع الوقف في وجوه الخير والبرّ والإحسان لوجه الله -تعالى-، وهو مندوبٌ ومستحبٌّ من حيث الأصل عند جمهور الفقهاء، لأنّه يفيد الإنفاق في وجوه الخير، ودليل استحبابه قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ).[٦][٧]


الصدقة

الصدقة هي تمليك مالٍ أو منفعةٍ دون مقابل على وجه التقرّب إلى الله -سبحانه-، وهي مشروعةٌ ومستحبّة في الأصل؛ لأنّ فيها شكراً لله -تعالى- على نِعمه، وإعانةً للفقير والضعيف والعاجز، وإغاثةً للملهوف، وقد ثبت فيها العديد من النصوص الشرعية التي تبيّن فضلها وأنواعها.[٨]


الهبة

الهبة هي تمليك مالٍ في الحال دون مقابلٍ، وهي مشروعة في القرآن والسنة والإجماع، ومن ذلك قول الله -تعالى-: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)،[٩] ومن ذلك حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على الهدية، وقد تعتريها الأحكام الخمسة كما أوضحنا سابقاً، فقد تكون مكروهة إذا قصد الواهب بفعله الرياء، وقد تصبح محرَّمةً إذا كان فيها معصيةٌ أو رشوةٌ أو إعانةٌ على الظلم.[١٠]


الوصية

الوصية هي تمليك عينٍ أو منفعةٍ إلى ما بعد الموت تبرُّعاً، وقد تكون مطلقة؛ كمن يوصي لفلان بمنفعةٍ دون تقييد ذلك بشيءٍ محدّد، فيقول: أوصيت لفلانٍ بكذا، وقد تكون مقيّدة؛ كمن يوصي لفلان بشيءٍ إن مات في مرضه هذا في بلدة كذا، وتعتري الوصية الأحكام الخمسة، وقد تمّ بيان ذلك في مبحث حكم عقود التبرعات.[١١]

المراجع

  1. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي، صفحة 21-23، جزء 8. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، فقه المعاملات، صفحة 42، جزء 4. بتصرّف.
  3. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 433، جزء 14. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية:2
  5. ^ أ ب "عقود التبرع والتأمين التكافلي"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 19/3/2023. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:267
  7. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 7601-7602، جزء 10. بتصرّف.
  8. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 323-324، جزء 26. بتصرّف.
  9. سورة النساء، آية:4
  10. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 120-122، جزء 42. بتصرّف.
  11. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 7440-7445، جزء 10. بتصرّف.