أوْلى الإسلام عنايةً كبيرةً بالفرد والمجتمع المسلم وحثَّهم على التحلِّي بالأخلاق الفاضلة، على أن يلتزم فيها الفرد عند التعامله مع الأفراد أو الجماعات في المجتمع، ولعلَّ من أعظم الأخلاق التي أمر الإسلام بالالتزام بها خلق الأمانة، لما لها من أثرٍ عظيمَ الشأن في رفعة المجتمع ورُقيِّه، فالعبد المؤمن الذي يمتثلُ الأمانة ويسير بها بين النَّاس عبدٌ محبوبٌ مرغوبٌ بين النَّاس؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى جبل القلوب على محبَّة الأخلاق الحميدة ومحبَّة أصحابها، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا".[١]


عِظم الأمانة في الإسلام

إنَّ حقيقة الأمانة بالأصل هي ما اؤتمن عليه العبد المسلم من الأوامر والنَّواهي التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه، كالصَّلاة والصِّيام وغيرها من الأوامر والفرائض، فهذه الأمانة التي تكون في جنب الله سبحانه، ولا تقتصر الأمانة على جنب الله بل إن العبد مأمور أيضًا بحفظ الأمانة التي تكون في جنب العباد، كحفظ الودائع للنَّاس، وغيرها من الحقوق، فمن حفظ الأمانة في جنب الله وفي جنب العباد حُقَّ له الثَّواب من الله سبحانه، ومن أخلَّ بالأمانة استحقَّ العقاب من الله سبحانه.[٢]


مشروعيَّة الأمانة في القرآن الكريم والسنَّة النَّبويَّة

وردت الكثير من الآيات والأحاديث التي تؤكد على أهمية الأمانة وعظمها، وفيما يأتي عرض لبعضها:[٣][٣]


الأمانة في القرآن الكريم

  • قال عزَّ وجلَّ: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا".[٤]
  • قال عزَّ وجلَّ في وصف عباده المؤمنين: "وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".[٥]


الأمانة في السنَّة النَّبويَّة

  • عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: "بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أعْرَابِيٌّ فَقالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ ما قالَ فَكَرِهَ ما قالَ. وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حتَّى إذَا قَضَى حَدِيثَهُ قالَ: أيْنَ -أُرَاهُ- السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ قالَ: هَا أنَا يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قالَ: كيفَ إضَاعَتُهَا؟ قالَ: إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ".[٦]


أهميَّة الأمانة

اعتنت الشَّريعة الإسلاميَّة بالأمانة اعتناءً كبيرًا؛ وفي ذلك دلالة على أهمِّيتها الكبيرة والأثر المترتب عليها، وفي يأتي عرض لأبرز النقاط التي تلخص أهمية الأمانة:[٧]

  • تعد الأمانة من حسن الإسلام وكمال الإيمان.
  • ينال المتحلِّي بالأمانة محبّة الله ومحبّة النَّاس.
  • تعد الأمانة من أعظم الأخلاق التي وصف الله بها عباده ومدحهم بها في كتابه فقال عزَّ وجلَّ: "وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".[٥]
  • يكون المجتمع الذي تظهر فيه الأمانة بين النَّاس مجتمعًا مباركًا وفيه من الخير الشيء الكبير
  • تشتمل الأمانة على حفظ تعاليم الدين وحقوق العباد بين بعضهم، فهي تحفظ الأموال والأعراض والأجسام والحقوق وغيرها.
  • يعد أمر السماوات والأرض قائمًا على الأمانة.


أشهر أنواع الأمانة في الإسلام

للأمانة أنواعٌ وصورٌ عديدةٌ؛ منها ما ينظم علاقة العبد بربه، ومنها ما يتعلق بعلاقة الفرد مع نفسه، ومنها ما هو مرتبط بالعلاقات بين الناس، فالأمانة خلق شامل يدخل في الكثير من الجوانب المتعلقة بحياة المسلم، ولا يمكننا حصر الأمانة كخلق على جهة أو نوع معين، بل تكاد الأمانة تدخل في كل جزئية متعلقة بالحياة والعبادة، ولإيضاح ذلك سنعرض فيما يأتي أبرز أنواع الأمانة في الإسلام:[٨]


1. الأمانة في العبادة

ينبغي على العبد أن يلتزم بما أمره الله سبحانه وتعالى وفرضه عليه، فيراعي أوامر الله كالصَّلاة والصِّيام وغيرها من العبادات على أكمل وجهٍ؛ لأنَّها أمانةٌ من الله للمسلم، كما ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاة ذلك بقوله: "من حافظَ على الصلاةِ كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامةِ ومن لم يحافظْ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ وحُشر يومَ القيامةِ مع فرعونَ وهامانَ وقارونَ وأبيِّ بنِ خلفٍ".[٩]


2. الأمانة في حفظ الجوارح

فجوارح الإنسان من النَّظر والسمع واليد والقدم واللسان وغيرها من الجوارح، هي من الأمانة التي أودعها الله سبحانه بالعباد حتى يؤدوا بها العبادة، لذلك ينبغي استخدامها في طاعة الله، والامتناع عن استخدامها فيما يغضب الله سبحانه، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "العينُ تَزني والقلبُ يَزني فزِنا العينِ النظَرُ وزِنا القلبِ التمَنِّي والفَرجُ يُصَدِّقُ ما هُنالِكَ أو يُكَذِّبُه".[١٠]


المراجع

  1. سورة النساء ، آية:58
  2. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ، فتاوى اللجنة الدائمة، صفحة 394، جزء 15. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الترغيب بالأمانة في القرآن الكريم "، الدرر السنية ، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021.
  4. سورة الأحزاب ، آية:72-73
  5. ^ أ ب سورة المؤمنون ، آية:8
  6. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبوهريرة ، الصفحة أو الرقم:59، صحيح.
  7. "ما هي فوائد الأمانة "، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021. بتصرّف.
  8. بدر هميسة ، "الإسلام وحفظ الأمانة "، صيد الفوائد ، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2021. بتصرّف.
  9. رواه ابن باز ، في فتاوى ابن باز، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:32، ثابت.
  10. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 8356، صحيح .