أعد الله -عزّ وجلّ- لعباده المؤمنين في الحياة الآخرة الجنَّةَ ونعيمها؛ ليجزيهم على إيمانهم به في الحياة الدنيا، والتزام طاعته وأوامره، فكلّ من شهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا رسول الله، معتقدًا بها حقّ الاعتقاد، ويصدق على ذلك ظاهرًا وباطنًا؛ أي أن يؤمن بها إيمانًا جازمًا في قلبه دون احتمال الشكّ أو التكذيب، وتصدّق ذلك جميع جوارحه؛ كان له حقّ دخول الجنّة برحمة الله تعالى،[١] وإنّ في الجنّة درجاتٍ مختلفةً، ومن درجاتها: درجة الفردوس؛ فما هي صفاتهم وأعمالهم؟ وما هي صفة الفردوس الأعلى ومكانتها؟.


صفات ورثة الفردوس

يقول الله -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم في مطلع سورة المؤمنون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)؛[٢] فقد خصّص الله -عزّ وجلّ- منزلة الفردوس في الجنّة لمن حافظ على هذه الصفات والتزم بها، وحثّ على العمل بها لنيل هذه المرتبة العظيمة، وآتيًا شرح هذه الصفات وبيانها.[٣]


الخشوع في الصلاة

وهو حضور القلب مع الجسد أثناء أداء الصلاة والخشوع فيها، واستشعار عظمة الله -عزّ وجلّ- والقرب منه، فكما قال علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: إنّ الخشوع هو خشوع القلب لا الجسد؛ فإنّ حضور القلب في الصلاة،مدعاةٌ لخشوع الجوارح؛ فلا يشغل الإنسان أي شاغلٍ في صلاته، ويحافظ على الصلة الوثيقة بينه وبين الله -عزّ وجلّ- في أثنائها.[٣]


الإعراض عن اللغو

وهو عدم الخوض في الكلام الباطل، والتنزه عن المشاركة فيه؛ كما قال عزّ وجلّ: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا).[٤]


أداء الزكاة

ومن أوجه ذلك أداء حقّ الزكاة الذي يترتب على المسلم في ماله، وزكاة النفس وتطهيرها من الشرك.[٣]


حفظ الفرج

أي حفظ النفس من الانزلاق إلى الفواحش والمحرمات، وصونها وعفتها عمّا حرّمه الله تعالى؛ فيتجنب مقدمات الحرام مثل النظر واللمس، ويحرص على طهارة نفسه وعفّتها.[٣]


حفظ الأمانة

وهو رعاية الأمانة حقّ الرعاية، والحرص عليها والوفاء بها، وخير مثالٍ على ذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الذي لقّبه قومه قبل بعثته بالصادق الأمين.[٣]


المحافظة على الصلاة

الصلاة هي صلة العبد بربه، وأقرب ما يكون العبد من ربه في السجود، أي في صلاته بين يدي الله عزّ وجلّ، فمن حرص على صلته بالله -عزّ وجلّ- في وقت الصلاة، وأدائها بأركانها وشروطها بإتقانٍ، كان ذلك سببًا من أسباب نيله درجة الفردوس في الجنّة.[٣]


الفرق بين الفردوس ومنزلة الفردوس الأعلى

تجدر الإشارة أنّ من أسماء الجنّة التي ذكرها الله -عزّ وجلّ- اسم الفردوس، كما جاء في قوله عزّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)،[٥] والفردوس في اللغة هو البستان الذي يجمع كلّ شيءٍ، والمراد بذلك الجنّة التي أعدها الله -عزّ وجلّ- باختلاف درجاتهم وحالهم، أمّا الفردوس الأعلى فهي أعلى منزلة في الجنّة، ومن صفاتها أنّها في وسط الجنّة، أسفل عرش الرحمن، وتنفجر منها ينابيع الجنة، وهذه منزلةٌ خاصَّةٌ تحتاج إلى العمل والالتزام بالطاعات والتقرب إلى الله -عزّ وجلّ- كما ذكر الله تعالى من صفاتهم في سورة المؤمنون، وقد حثّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن نسأل الله -عزّ وجلّ- في الدعاء منزلة الفردوس الأعلى من الجنّة؛ لمكانتها العالية وتميّزها عن باقي الدرجات؛ ولأنّ العمل وحده لا يكفي لدخول الجنّة دون رحمة الله تعالى.[٦]


درجات الجنة

بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله -عزّ وجلّ- قد فضّل بين عباده المؤمنين في منازلهم في الجنة، كلٌ بحسب عمله وطاعته، فالجنّة أعدّها الله -عزّ وجلّ- لجميع من آمن به والتزم أوامره وانتهى عن معصيته، وقد جعلها الله -عزّ وجلّ- مئة درجةٍ ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، يرتفع بها المؤمن بحسب جهده في طاعته والالتزام بها؛ لأنّ المعيار هو معيار العمل كما قال عزّ وجلّ: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)،[٧] فالله -عزّ وجلّ- قد بيّن أنّ منزلة من التزم الفريضة، ليس كمن حافظ على الفرائض وزاد عليها بالنوافل، ومن جاهد في سبيل الله ليس كمن تخلّف عن ذلك أيضًا.[٨]


المراجع

  1. "شروط لا إله إلا الله "، إسلام ويب . بتصرّف.
  2. سورة المؤمنون، آية:1-11
  3. ^ أ ب ت ث ج ح "صفات أهل الفردوس"، الألوكة الشرعية . بتصرّف.
  4. سورة الفرقان ، آية:12
  5. سورة الكهف، آية:107
  6. "فرق بين الفردوس ومنزلة الفردوس الأعلى"، إسلام ويب. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية:95
  8. "درجات الجنة "، الألوكة الشرعية. بتصرّف.