إن المطلع على تعاليم الشريعة الإسلامية يجد أن الشورى تأخذ منها مكانًا كبيرًا ومنزلة مهمة، وقد ورد ذكر الشورى في الكثير من المواضع في القرآن الكريم، لدرجة تسمية إحدى السور القرآنية باسم "الشورى"، كما أن المبحر في سيرته صلى الله عليه وسلم يجد أنه اعتنى بالشورى اعتناءً شديدًا، فعلى الرغم من أنه مؤيد بوحي إلا أنه لم يتوان عن طلب المشورة من أهله وأصحابه في مواقف كثيرة، وإن خير دليل على ذلك استشارته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الغزوات، وفي هذا المقال سنخصص الحديث عن شروط أهل الشورى في الإسلام، وسنشير إلى مشروعية الشورى والمجالات التي تدخل فيها.


تعد كلمة الشورى من التشاور، ونقول اِسْتَشَارَهُ فِي أَمْرٍ يَهُمُّهُ أي طَلَبَ رَأْيَهُ، وطَلَبَ مِنْهُ الْمَشُورَةَ،[١] أما تعريف الشورى في الاصطلاح فهي طلب الرأي في مسألة ما من أهلها، وتعرف أيضًا بأنها عملية لتبادل الآراء حول أمر معين، فيظل الحوار دائرًا للوصول إلى الحل الأفضل للعمل به، ومن الضروري الإشارة إلى وجود أمور معينة يجب أن تتوفر في أصحاب الشورى قبل الأخذ بشورتهم، وسنعرض تفصيلًا لذلك في هذا المقال.[٢]


شروط أهل الشورى في الإسلام

لا بد وأن الأخذ بمشورة ورأي أي شخص كان أمر غير مقبول أبدًا؛ فقد يستشير الواحد منا من يكرهه أو يحقد عليه، وبالتالي فإنه يقدم له مشورة تضره، وقد يستشير من يفتقر إلى العلم في المسألة التي جاء طالبًا الشورى فيها، وبالتالي تكون المشورة خاطئة، لذلك كان لا بد من وجود مجموعة من الشروط التي يجب توافرها في أهل الشورى بما يضمن تقديم المشورة القائمة على العلم والمحبة والتي تنفع المسلمين، وفيما يأتي عرض لتلك الشروط:[٣]

  1. أن يكون أهل الشورى من أهل الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ومن المتوكلين عليه.
  2. أن يكون أهل الشورى من الذين يجتنبون كبائر الإثم والفاحشة.
  3. أن يتصف أهل الشورى بحسن السيرة والسلوك، واجتناب ما نهى الله تعالى ورسوله عنه.
  4. أن يتصف أهل الشورى بالتسامح.
  5. أن يستجيب أهل الشورى لله سبحانه وتعالى ويعظمون شعائره.
  6. أن يكون أهل الشورى أمناء صادقين مؤمنين.
  7. أن يكون أهل الشورى من أهل العلم والنصح والإرشاد.
  8. أن يكون أهل الشورة من العقلاء وسليمي الفكر.
  9. أن يتصف أهل الشورى بالاستقلالية في الرأي.
  10. أن يتصف أهل الشورى بالشجاعة في طرح الرأي.


مشروعية الشورى في النظام الإسلامي

الشورى هي منهج رباني، فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نأخذ برأي أهل الشورى، وأكد لنا على أن الشورى جزء من النظام الإسلامي، ويجب أن يؤخذ بها، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"،[٤] والمقصود في قوله تعالى "وشاورهم في الأمر" أنه من الجائز الاجتهاد في الأمور، وأن الشورى تُبنى على اختلاف الآراء، فيُنظر إلى أقرب رأي لكتاب الله سبحانه وتعالى والسنة النبوية الشريفة ويؤخذ به إن أمكن.[٥]


مجالات الشورى

لا يكاد يوجد مجال في حياة المسلم إلا والشورى داخلة فيه، كيف لا والمسلم يستأنس برأي غيره من أهل العلم والصلاح، وسنعرض فيما يأتي أشهر المجالات التي تدخل الشورى فيها:[٦]


1. الشورى في التشريع

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من أجل عبادته وعمارة الأرض، وكلف الإنسان نفسه بإدارة شؤون حياته في هذه الأرض وفق منهج الله سبحانه وتعالى، وهذا كله يحتاج إلى القوانين والتشريعات التي تساعده على إدارة حياته، ومن هذه القوانين والتشريعات ما قد لا يرد في القرآن الكريم بشكل صريح وواضح، لذلك كان لا بد من توافر العلم والدراية والشورى والنصح من أجل سن هذه القوانين ولكن وفق منهج الله سبحانه وتعالى.


2. الشورى في الوظائف العامة

يعد التشاور في الأمور العامة من أجل الحصول على حال أفضل وتحسين مستوى الأمة من أهم الواجبات على أهل الشورى، ولقد مدح الله سبحانه وتعالى الذي يتميزون في الشورى فقال في كتابه الكريم : "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ".[٧]


3. الشورى في القضاء والحكم

مِن أهم مقومات الحياة هو إقامة العدل، وإن الحكم بالعدل من أهم الأمور التي تساعد على نشر المحبة والبعد عن الظلم، فالقضاء يحمل أمانة العدل، كما أنه من المجالات التي أمر الله سبحانه وتعالى بالشورى فيها، فمن واجب القاضي أن يفهم المشكلة ويبحث عنها ويتحقق منها قبل إصدار الحكم، وتجب عليه مشاورة أهل العلم والصلاح والفطنة.


4. الشورى في الحرب

تعد الشورى في الحرب من أهم القواعد الأساسية التي يستند إليها نظام الحكم في الإسلام، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الناس، فقبل غزوة بدر استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عندما علم بخبر قريش.


المراجع

  1. "تعريف و معنى الشورى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني.
  2. حسين بن محمد المهدي، الشورى في الشريعة الإسلامية، صفحة 28. بتصرّف.
  3. حسين بن محمد المهدي، الشورى في الشريعة الإسلامية، صفحة 190-220.
  4. سورة ال عمران، آية:159
  5. حسين بن محمد المهدي، الشورى في الشريعة الإسلامية، صفحة 33. بتصرّف.
  6. حسين بن محمد المهدي، الشورى في الشريعة الإسلامية، صفحة 43-147. بتصرّف.
  7. سورة الشورى، آية:38