حثّ الإسلام على التخلّق بالأخلاق الحسنة ورغّب بها، وجعل التحلّي بها والتزامها سببًا لدخول الجنّة ومحبّة الله تعالى، وقد أرشد القرآن الكريم إلى جملةٍ من الأخلاق الحسنة في مواطن عدَّةٍ، وحثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على التخلّق بجميلها، فقال عليه الصلاة والسلام: "أنا زعيمُ بيتٍ في ربضِ الجنةِ لمن ترك المِراءَ وإن كان محقًّا، وبيتٍ في وسطِ الجنة لمن ترك الكذبَ وإن كان مازحًا، وبيتٍ في أعلى الجنةِ لمن حَسُنَ خُلُقُه"،[١] ومن هذه الأخلاق: خلقا الشهامة والمروءة، وآتيًا في هذا المقال شرحٌ وافٍ عن هذين الخلقين وما يتّصل بهما.[٢]


شرحٌ عن الشهامة

تعريف الشهامة

تعرّف الشهامة في الاصطلاح بأنّها الحرص على مباشرة الأعمال العظيمة التي يُتوقع منها الذكر الجميل عند الله تعالى وعند الناس، وقيل هي عزّة النفس وحرصها على القيام بالأمور والمهام العظيمة.[٣]


مجالات الشهامة

فيما يلي بيانٌ للمجالات التي تدخل فيها الشهامة:[٤]

  • المجال الأول: الشهامة في نصرة المظلوم، فمن الشهامة نصر المظلومين والضعفاء والأخذ بأيديهم، وقد روى أنس بن مالك عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا".[٥]
  • المجال الثاني: الشهامة في إعانة المحتاجين، ومن أجمل الأمثلة التي تقال في ذلك موقف كليم الله موسى -عليه الصلاة والسلام- الذي ذُكر في كتاب الله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).[٦]


ثمرات الشهامة

للشهامة ثمراتٌ وفوائد كثيرةٌ، منها ما يلي:[٤]

  • إعانة الله تعالى للعبد، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ".[٧]
  • سببٌ لتفريج الكرب يوم القيامة والنجاة من النار، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام: "ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ".[٧]


نماذج من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام في الشهامة

كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ذا خلقٍ رفيعٍ، وقد حظي بالنصيب الأوفى من هذه الصفة، وكذا صحابته رضوان الله عنهم، وآتيًا بعض النماذج المبيِّنة لهذا الخلق في حياتهم:[٣]

  • عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "قال له رَجُلٌ: يا أبا عِمارةَ، أوَلَّيتُم يومَ حُنَينٍ؟ قال: لا واللهِ، ما وَلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنْ وَلَّى سَرَعانُ النَّاسِ، تَلقَّتْهم هَوازِنُ بالنَّبْلِ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بَغلةٍ بَيضاءَ، وأبو سُفْيانَ بنُ الحارثِ آخِذٌ بلِجامِها، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: أنا النَّبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِب".[٨]
  • عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وأَجْوَدَ النَّاسِ، وأَشْجَعَ النَّاسِ، قالَ: وقدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ لَيْلَةً سَمِعُوا صَوْتًا، قالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى فَرَسٍ لأبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وهو مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقالَ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وجَدْتُهُ بَحْرًا يَعْنِي الفَرَسَ".[٩]
  • عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: "إنِّي لَفِي الصَّفِّ يَومَ بَدْرٍ إذِ التَفَتُّ فإذا عن يَمِينِي وعَنْ يَسارِي فَتَيانِ حَدِيثا السِّنِّ، فَكَأَنِّي لَمْ آمَن بمَكانِهِما، إذْ قالَ لي أحَدُهُما سِرًّا مِن صاحِبِهِ: يا عَمِّ أرِنِي أبا جَهْلٍ، فَقُلتُ: يا ابْنَ أخِي، وما تَصْنَعُ بهِ؟ قالَ: عاهَدْتُ اللَّهَ إنْ رَأَيْتُهُ أنْ أقْتُلَهُ أوْ أمُوتَ دُونَهُ، فقالَ لي الآخَرُ سِرًّا مِن صاحِبِهِ مِثْلَهُ، قالَ: فَما سَرَّنِي أنِّي بيْنَ رَجُلَيْنِ مَكانَهُما، فأشَرْتُ لهما إلَيْهِ، فَشَدّا عليه مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حتَّى ضَرَباهُ، وهُما ابْنا عَفْراءَ".[١٠]


شرحٌ عن المروءة

تعريف المروءة

المروءة في الاصطلاحًا هي استعمال الإنسان ما يجمّله من الأفعال والأقوال والهيئات، واجتناب ما يدنّسه من سيئ الأخلاق، سواءً مع الخالق أو نفسه أو مع المخلوق.[١١]


درجات المروءة

للمروءة درجاتٌ ثلاث، وهي:[١١]

  1. المروءة مع الخالق سبحانه؛ وتكون بالحياء منه، وإصلاح العبد لعيوبه قدر الإمكان.
  2. مروءة العبد مع نفسه؛ وتكون بالتزيّن بالأخلاق الحسنة وتجنّب سيئالأخلاق.
  3. المروءة مع الخلق، ويكون بالتعامل معهم بجميل الخلق وتجنّب التعامل معهم بما يكره أن يُعامل به.


شروط المروءة

للمروءة شروطٌ لا بُدّ من توافرها حتّى يتحقّق في الإنسان خلق المروءة:[١١]

  • التعفّف عن الحرام.
  • تجنّب الظلم.
  • أن يعدل في الحكم.
  • أن يأخذ بيد الضعيف، ولا يعين عليه قوي.
  • ألّا يؤثِر سيئ الأخلاق على شريفها.


فوائد المروءة

لخلق المروءة فوائد عدَّةٌ، منها ما يلي:[١١]

  • تكسب الإنسان فضائل الأخلاق.
  • تحثّ المؤمن على العمل الجاد والبعد عن طول الأمل.
  • تُكسب النفس عزةً، وترفعها عن رذائل الأخلاق.
  • تُبعد المؤمن عن الخمول والكسل.
  • تعلّم جميل الأخلاق كالصبر والصدق.


نماذج من المروءة في حياة النبيّ عليه الصلاة والسلام

كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أعظم الناس مروءةً، وكذا صحابته الكرام، وقد وردت العديد من النصوص الثابتة في السنة النبوية التي تبرز خلق المروءة في تعامله عليه الصلاة والسلام، منها ما يلي:[١١]

  • ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: "أنَّ رَجُلًا أتَى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبَعَثَ إلى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: ما معنَا إلَّا المَاءُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن يَضُمُّ -أوْ يُضِيفُ- هذا؟ فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا، فَانْطَلَقَ به إلى امْرَأَتِهِ، فَقالَ: أكْرِمِي ضَيْفَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: ما عِنْدَنَا إلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذَا أرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، ونَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أنَّهُما يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ -أوْ عَجِبَ- مِن فَعَالِكُما، فأنْزَلَ اللَّهُ: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)".[١٢]
  • ما رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: "أنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ ما البُرْدَةُ؟ قالوا: الشَّمْلَةُ، قالَ: نَعَمْ، قالَتْ: نَسَجْتُهَا بيَدِي فَجِئْتُ لأكْسُوَكَهَا، فأخَذَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا، فَخَرَجَ إلَيْنَا وإنَّهَا إزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقالَ: اكْسُنِيهَا، ما أَحْسَنَهَا، قالَ القَوْمُ: ما أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وعَلِمْتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ، قالَ: إنِّي واللَّهِ، ما سَأَلْتُهُ لألْبَسَهُ، إنَّما سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَه".[١٣]

المراجع

  1. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:273، حسن لغيره.
  2. "فضائل الأخلاق الحسنة"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "النخوة والشهامة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "الشهامة ومجالاتها وأثرها على الفرد والمجتمع"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2443، صحيح.
  6. سورة القصص، آية:24
  7. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2580، صحيح.
  8. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخربج المسند، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:18706.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3040، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم:3988، صحيح.
  11. ^ أ ب ت ث ج "المروءة"، الألولكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:3798، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:1277، صحيح.