اهتم الإسلام بالأخلاق اهتمامًا كبيرًا، وحث المسلمين على التحلي بكل الأخلاق الفاضلة؛ لما لها من آثار عظيمة تعود على الفرد والمجتمع، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ"،[١]فالنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا نحن المسلمون كان يتحلى بالأخلاق الكريمة ويحث المسلمين على ذلك لإرضاء الله تعالى ونيل الأجر والثواب على ذلك، ومن هذه الأخلاق الفاضلة خلق التواضع الذي سنعرض شرحًا عنه في هذا المقال.


تعريف التواضع

التواضع لغة مأخوذ من وضع وهو ضد الرفع،[٢] أما اصطلاحًا فقد عرفه الفضيل بن العياض عندما سئل عن التواضع بأنه الانقياد للحق والخضوع له، وقال الجنيد بن محمد عن التواضع ما مفاده اللين، وابن عطاء عدّ من التواضع أن يقبل الإنسان الحق ويتقبله من أي شخص كان،[٣] والتواضع ضد التكبر والكبر، ونلاحظ أن أغلب الأقوال حول التواضع تصب في اللين والخضوع للحق وقبوله بغض النظر عن قائله؛ فالشخص المتواضع يتقبل الحق والنقد ويخضع للصواب والحق بكل لين ومرونة، فلا يتكبر على الحق ويرفضه لمجرد صدوره من شخص ما، وكذلك يكون في كل تصرفاته وتعاملاته مع الآخرين ليِّنًا خاضعًا للحق.


التواضع في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

أشرنا سابقًا إلى أن الإسلام اهتم بخلق التواضع وحث عليه ورغب به المسلمين في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ ففد قال تعالى واصفًا ومادحًا عباده الصالحين: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا"،[٤] وكذلك يقول الله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: "وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ"،[٥] وإن خفض الجناح المقصود بالآية الكريمة هو التواضع واللين، وكذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بخلق التواضع ببيان منزلة المتواضع ورفعة الله تعالى له في الدنيا والآخرة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"،[٦] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس تواضعًا لله تعالى فقد أجابت عائشةَ رضيَ اللهُ عنها عن سؤال: ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ بقولها: "كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ".[٧]


مظاهر التواضع

للتواضع مظاهر وعلامات يعرف من خلالها الشخص المتواضع، ومن أبرزها ما يأتي:

  1. التواضع في الحديث مع الآخرين، فيكون في حديثه مع الآخرين مراعيًا الأسلوب المناسب الليّن؛ فلا يخاطب الناس بنبرة فيها تعالٍ وتكبر واستعلاء عليهم، بل يكون لينًا معهم.[٨]
  2. عدم الثناء على النفس ومدحها بغير حاجة، فلا يزكي الإنسان نفسه أمام الآخرين ولا يمدحها؛ لأن المبالغة في مدح النفس أمام الآخرين من الاستعلاء المذموم.[٨]
  3. التواضع في طلب العلم، فيسعى في طلبه بكل خضوع؛ لأن تحصيل العلم لا يجتمع مع الكبر، فالكبر والحق لا يجتمعان،[٨] وقد قال وكيع: "لا يكون الرجل عالمًا حتى يحدث عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه".[٩]
  4. التواضع عند الخطأ والاعتراف به، فالتواضع يدفع المرء إلى تصحيح أخطائه والاعتراف بها، فلا يمنعه كبره من الإصرار على الخطأ والتمادي فيه، بل إن الشخص المتواضع يرى في العدول عن الخطأ إلى الصواب فضيلة فلا يتحرج من ذلك أبدًا.[٨]


آثار التواضع

للتواضع آثار طيبة وثمار يجنيها الشخص المتواضع في الدنيا والآخرة من أهمها ما يأتي:

  1. أن يحبه الله تعالى، فالشخص المتواضع يحبه الله تعالى ويحبب الخلق به، فينال بذلك رضا الله تعالى وكرمه في الآخرة.[١٠]
  2. الرفعة من الله تعالى كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الحديث النبوي الشريف.[١٠]
  3. الفوز بالجنة، وهي من أسمى الثمار التي ينالها الفرد بتواضعه.[١٠]
  4. الحصول على العلم النافع، إذ إن الشخص المتواضع لا يتحرج من أن يأخذ العلم من أي كان، فهو يسعى للحصول على العلم بكافة الوسائل الممكنة.[٩]
  5. الخضوع للحق والانقياد له، وتصحيح الأخطاء وعدم الوقوع بها، والنزول عند الحق والصواب واتباعه.[٩]
  6. كسب محبة الناس وتقديرهم واحترامهم؛ فالناس تحب التعامل مع الشخص المتواضع وتحترمه، فينال محبة الناس وتقديرهم مما يدل على مكانته في المجتمع ومحبة الناس له.[١١]




نلاحظ أن خلق التواضع من الأخلاق الحسنة، وهو الخضوع للحق ولين الجانب، وينبغي علينا كمسلمين أن نحرص كل الحرص على أن نتحلى بهذا الخلق اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقوالنا وأفعالنا وطلبنا للعلم وتعاملاتنا مع الآخرين، كما أن الآثار العظيمة المترتبة على التحلي بهذا الخلق تشكل دافعًا كبيرًا للأفراد والمجتمعات؛ كمحبة الله تعالى والناس والحصول على رضا الله تعالى والفوز بالجنة، وغيرها الكثير من الآثار المعنوية التي تجعل من المجتمع الإسلامي مكانًا أكثر جمالًا وأمانًا.



المراجع

  1. رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، الصفحة أو الرقم:2833.
  2. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 396.
  3. ابن القيم ، كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، صفحة 314. بتصرّف.
  4. سورة الفرقان، آية:63
  5. سورة الحجر، آية:88
  6. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة رضي الله عنه ، الصفحة أو الرقم:2588.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:676.
  8. ^ أ ب ت ث شريف فوزي سلطان ، "علامات التواضع "، الألوكة الشرعية ، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت إبراهيم الدويش، دروس للشيخ إبراهيم الدويش، صفحة 22. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت مهران ماهر عثمان ، "التواضع "، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.
  11. "الأخلاق الحسنة "، الشيخ محمد صالح المنجد، اطّلع عليه بتاريخ 31/8/2021. بتصرّف.