النزاهة

إن اهتمام العالم الإسلامي بالنزاهة له طابع خاص مختلف عن غيره من المجتمعات، وذلك لأنه ناتج عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف في المقام الأول، وإن الثقة الأخلاقية الكبيرة بين أفراد المجتمع الإسلامي هي التي تبعد جانب المراقبة والمحاسبة عن النزاهة، وعلى الرغم من جمالية هذا الأمر وتميزه إلا أنه تسبب بوجود نوع من التحايل على العديد من الأنظمة والقوانين، ومن خلال هذا التحايل يمكن لبعض الأفراد ممارسة بعض السلوكيات والأخلاقيات الفاسدة، إذ إن هذا الضعف في الرقابة على تطبيق القانون ساعد في زيادة مشكلة النزاهة، وأدى إلى جعل النزاهة عملة نادرة، وفي مقالنا سنتحدث عن النزاهة من حيث المعنى والأهمية وغيرها من الجوانب.

تعريف النزاهة

لغةً

تعرف النزاهة في اللغة بأنها الترفع والابتعاد، إذ إننا نقول تنزّه ونقصد بها ابتعد، كما نقول نزّه نفسه عن السوء ونقصد أنه ترفع عنه.^[١]

اصطلاحًا

تعرف النزاهة في الاصطلاح بأنها النأي بالنفس عن السوء والتصرفات السيئة وغير المقبولة، والابتعاد عن كل ما فيه شر.^[٢]

فوائد النزاهة

للنزاهة فوائد كثيرة، ومن هذه الفوائد ما يلي:^[٣]

1. تعد النزاهة طاعة من الطاعات التي تُكسب صاحبها الأجر.
2. تحفظ النزاهة الشخص من الانحراف والانجرار وراء الشبهات.
3. تساعد النزاهة في التحلي بالكثير من الأخلاق مثل القناعة والرضا.
4. يوصل التحلي بالنزاهة إلى التقوى.
5. تكسب النزاهة الفرد محبة الناس له، إلى جانب محبة الله سبحانه وتعالى.
6. يحقق المتحلي بالنزاهة مبدأ الاقتداء بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

من صور النزاهة

للنزاهة العديد من الصور، نذكر منها ما يلي:^[٤]

1. النزاهة عن المال المشبوه.
2. النزاهة في المواقف التي يغلب فيها الظن السيئ.
3. النزاهة عن بعض الحلال خوفًا من الوقوع في الحرام.
4. النزاهة عن ذكر الناس بالسوء.

جوانب النزاهة

سنتحدث هنا عن جوانب النزاهة، وللنزاهة جانبين هما:^[٥]

1. الجانب التأصيلي

كثير من العلماء رسخوا مبدأ النزاهة من مصادر الشريعة الإسلامية، وكثير منهم فسروا بعض الآيات على أنها دليل للنزاهة، فأصل النزاهة موجود في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

2. الجانب السلوكي والأخلاقي

ويظهر هذا الجانب من خلال تغيير السلوك الإنساني عن النزاهة، وذلك بتطبيق مفهوم النزاهة بشكل الصحيح ينعكس على السلوك، وللتكلم عن هذا الجانب لا بد من الحديث عن ثلاثة أمور مهمة يمكن من خلالها التعرف على جانب السلوكي والأخلاقي للنزاهة وهي ما يلي:

• القناعة: هو شعور الفرد بأنه مسؤول عن الأعمال والتصرفات التي يفعلها، وهذا يجعله يتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه، سواء أكانت دينيةً أم أخلاقية، بعض النظر عن المستوى الذي ينظر له الشخص من حيث المستوى الشخصي أو الاجتماعي أو القومي، وإن المجتمع الإسلامي والمسلمين لا يحتاجون إلى القناعة لتطبيق أمر مفروض عليهم في الشريعة الإسلامية، ولكنهم يحتاجونها للالتزام بالأخلاقيات من خلال تعزيز الرقابة الذاتية للشخص.
• القيم تقود السلوك: إن القناعات والأفكار التي يؤمن بها الفرد تمثل موجهًا ومحركًا للسلوك، وإن القيمة المرتبطة بسلوك النزاهة والمحركة له هي مدى الالتزام بتطبيق النزاهة بغض النظر عن الظروف المحيطة ودرجة الصلة والقرابة في موقف ما؛ وذلك لأن المقتنع بمبدأ النزاهة يستحيل أن يتنازل عنه وإن اضطر إلى خسارة صديقه لأجل ذلك.
• تحمل المسؤولية: إذ إن تحمل المسؤولية هو الدافع القوي وراء تأدية الواجبات، وذلك لأن شعور الفرد بالمسؤولية هو الذي يجعله ملتزمًا بتأدية العبادات، وهو ما يخلق لديه الرقابة الذاتية.

معيقات النزاهة

للنزاهة العديد من المعيقات التي تمنع الشخص من أن يكون نزيهًا، ومنها ما يلي:^[٦]

1. طمع الإنسان بما في الدنيا ونسيان ما في الآخرة.
2. حب الإنسان للمال وطمعه في كسب الكثير منه.
3. الاتصاف بصفة الجبن؛ إذ إنها تورث الذل والمهانة.
4. وجود صفة البخل في الشخص؛ إذ إنها تزيد من الطمع.
5. الانغماس بالشهوات والملذات دون تشغيل الرقابة الذاتية؛ وذلك لأن الشهوات تقلل من شعور الفرد بالمسؤولية تجاه تصرفاته الخاطئة.

الوسائل المعينة على اكتساب النزاهة

كما أن للنزاهة موانع، فإن لها طرقًا عديدة يمكن أن تساعد في اكتساب هذه الصفة والتحلي بها، ومن هذه الوسائل ما يلي:^[٧]

1. الدعاء: فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للناس بأن يهديهم الله إلى أفضل الأخلاق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنِّي سيِّئها، لا يصرف عنِّي سيِّئها إلا أنت".^[٨]
2. القناعة وتدريب النفس على تجنب الطمع.
3. تعويد النفس على صفات الكرم والجود.
4. عدم النظر إلى ما في أيدي الناس من نعم.
5. الابتعاد عن الأشخاص الذين يتصفون بالطمع.