إنَّ النَّاظر في الشريعة الإسلاميَّة وما جاءت به، يجد أنَّها شريعةٌ كُلّها محاسن، لا يعيبها شيء ولا تشوبها شائبة، كيف لا وهي من لدن اللَّطيف الخبير، وإنَّ كلّ ما اشتملت عليه الشريعة الإسلاميَّة جاء خيرًا للناس جميعهم، فقد حملت في طيَّاتها العديد من الأخلاق التي رغَّبت الفرد في أن يتحلَّى بها وأن يتعلَّمها ويُعلّمها لغيره، وما من خُلقٍ جاءت به إلا ووردت الكثير من النَّصوص التي تحثُ عليه وترغّب به، كذلك فقد رتَّبت الشريعة الإسلامية الأجور الكبيرة على من تمسَّك بهذه الأخلاق، ولعلّ بعض الأخلاق رتَّبت عليها أجرًا قد يتفاوت مع أجر خلقٍ آخر، وهذا كلّه باعتبار المصلحة المترتّبة على التحّلي بهذا الخلق الكريم.


وما أحوج الواحد منّا إلى الرضا بما قسَم الله له في دنياه، والقناعة بما يملك وبما رزقه الله سبحانه وتعالى، فنحن في هذا الزمن نجد أنَّ من حولنا قد انغمس في الدنيا، وذاب في ملذّاتها وشهواتها، وكذلك كثُر السخط والشكوى والتذمّر. [١]


مفهوم القناعة

القناعة هي الرضا بما دون الكفاية، وتقال كذلك لوصف رضا النفس واكتفائها بما لديها، ولا يقال هذا قنوع إلا إذا استخدم دون ما يحتاج إليه، وأن يكون مقتصدًا بما لا يتجاوز حاجته من الشيء، وعند الحديث عن القناعة لا بد من الإشارة إلى أنها من أعمال القلوب، وهي باختصار الرضا بما قسمه الله سبحانه وتعالى لكل واحدٍ منَّا. [٢]


فضائل القناعة

لا بد وأن القناعة لها فضائل تنعكس على جوانب عديدة من حياة الفرد، وفيما يأتي ذكر لأبرزها: [٣]

القناعة سبب لفلاح من تمسَّك بها ومن تحلَّى بها في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم: "قَد أفلحَ مَن أسلمَ ورزقَ كفافًا، وقنَّعَهُ اللَّهُ". [٤]

  • القناعة سبب في إكساب صاحبها محبة الله أولًا ومحبة الناس ثانيًا؛ لأنَّ صاحبها يكون قد رضي بما قسمه الله له وما قدَّر الله عليه،

فبقدر ما يقنع الشخص بما في يديه ويكفَّ عن النَّظر إلى ما في أيدي الناس وما رزقهم الله، يكون حب النَّاس له، فجميعنا لا يحب أن ينظر أحد إلى النعم التي أنعم الله بها عليه، ونكره هذا الفعل، وبالتالي سيصل الأمر إلى أن نكره من يفعله، فإذا أردت أن تكون محبوبًا بين الناس فلا تنظر إلى ما بين أيديهم، واكتفِ بما بين يديك فقط.

  • القناعة تكسب صاحبها عزَّة النَّفس، وتغنيه عن التذلل للخلق، وتجعله عاليًا عن الشهوات والملذات، فمن اكتفى بما قسمه الله له كان عزيزًا في ذاته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس". [٥]
  • القناعة تمنح صاحبها رضا الله، وهذه الغاية الكبرى من التحلِّي بهذا الخلق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". [٦]


الأسباب المعينة على اكتساب القناعة

لا بد وأن لكل خلق مقدمات تعين على التحلي به، وفيما يأتي عرض للأسباب والمقدمات التي تعين على القناعة: [٧]

  1. اكتفاء الإنسان بما رزقه الله سبحانه وتعالى، والرضا بما قدَّر الله له أو عليه من أمور دنياه.
  2. الاطلاع على سير الصحابة والتابعين ومن بعدهم من السلف الصالح، وكيف كانوا يعطون القناعة اهتمامًا كبيرًا، ومحاولة الاقتداء بهم والسير على نهجهم.
  3. تجنب التبذير وتعلم الاقتصاد والشراء بقدر الحاجة، فهذا يزيد من قناعة المسلم بعدم قدرته على شراء كل ما يشتهيه.
  4. تدريب النفس على البعد عن الطمع والرضا بما لديها من النعم.
  5. الإلحاح في الدعاء، والطلب من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يقتنع بما رزقه وما يملك.
  6. النظر دائمًا إلى من هو أقل منك رزقًا، وعدم النظر إلى من هو أعلى منك رزقًا؛ لأنه أجدر أن نشكر الله على ما رزقنا، بدلًا من أن نقول أنَّ فلانًا معه من الخير زيادةً عني أو زيادةً عمَّا أملك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". [٨]
  7. الإيمان التام بأن الأرزاق من الله سبحانه وتعالى مقدَّرة ومقسومة بين العباد ومكتوبة عند الله سبحانه.
  8. إكساب المسلم قوة الإيمان، والثقة به، والرضا بما قسم الله سبحانه وتعالى له.
  9. التفكر في الحكمة من وراء تفاوت الناس في الأرزاق، فلا بد وأن يدرك المسلم المتأمل لذلك حكمة في كل مرة يتفكر فيها.
  10. تذكير النفس بأن القناعة خلق رفيع يبقي المسلم بعيدًا عن الذل والمهانة التي تلحقه بسبب تتبع نعم الله على الآخرين ومقارنة نفسه بهم.


المراجع

  1. أحمد عماري (7/5/2015)، "القناعة ( حقيقتها / مكانتها/ وسائلها )"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021.
  2. "معنى القناعة لغةً واصطلاحًا"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021.
  3. إسلام ويب (1/4/2018)، " القناعة في السنة النبوية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2348.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:6446.
  6. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:2396.
  7. "القناعة - فوائد القناعة - مراتب القناعة "، طريق الإسلام ، 8/5/2014، اطّلع عليه بتاريخ 5/8/2021.
  8. رواه يحيى النووي، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:2963.