الحياء من صفات الله عز وجل ونبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم وعباد الله الصالحين، فهو خلقٌ عظيمٌ دعت إليه الشَّريعة الإسلامية، وحثَّت على التَّمسّك به والتحلّي به، وذلك اقتداءً بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بحيائه، فكلُّ من كان فيه حياءٌ كان من أفضل النَّاس، فإذا ذهب الحياء وفُقد صار المرء فاحشًا بذيئًا، وبذلك ينتشر الفساد والعري في المجتمع، وإن الحياء يولد أحيانًا مع الإنسان، وأحيانًا يكون على المرء أن يكتسبه من معرفة الله سبحانه وتعالى، ومعرفة أنَّ الله يراقبه ويراه في كل وقتٍ وفي كلّ مكانٍ، فبذلك يكون قد فهم الدّين، وفهم تعاليمه وحدوده.


مفهوم الحياء

يعرّف الحياء لغةً بأنَّه انكسار وتغير يطرأ على الإنسان، وعادةً ما يحدث خوفًا من شيء معيب، أمَّا اصطلاحًا فهو منع النَّفس عن القبائح، وقيل الحياء أن يجدك الله حيث أمرك ولا تكون حيث نهاك.[١]


فضائل الحياء

للحياء فضائل كثيرة، وفيما يأتي ذكر لبعض منها:[١]

  • الحياء مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياءُ لا يأتِي إلا بِخيرٍ".[٢]
  • الحياء هو الرادع والمانع من فعل القبائح وما يعيب، أي إنَّه مغلاق لكلِّ شر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: "إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إذا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ".[٣]
  • الحياء يشجع على عمل الطاعات، لدرجة أنه يعد شعبة من شعب الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ".[٤]
  • الحياء سبب لمحبّة الله للعبد، ومن أحبَّه الله عاش سعيدًا ومات على الخير، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تعالى إذا أنعَم على عبدٍ نعمةً، يحبُّ أن يرى أثرَ النِّعمةِ عليه، ويكره البُؤسَ والتَّباؤسَ، ويُبغِضُ السائلَ الملْحِفَ، ويحبُّ الحييَّ العفيفَ المتعفِّفَ".[٥]
  • الحياء يزين الأخلاق والتصرفات، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كان الفحشُ في شيءٍ إلا شانه، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زانَه".[٦]


أنواع الحياء

للحياء أنواعٌ وصورٌ عديدة، وسنعرض فيما يأتي بعضًا منها:[٧]


1. حياء العبد من الله تعالى

يتمثَّل الحياء من الله سبحانه، بامتثال أمره واجتناب نهيه، أي أن نلتزم بكل طاعة أمرنا الله بها، ونبتعد عن كل ذنب نهانا الله عنه، وقد سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم كيف يستحيي العبد من الله حقَّ الحياء، فقال: "استحيوا من اللهِ تعالى حقَّ الحياءِ، من اسْتحيا من اللهِ حقَّ الحياءِ فلْيحفظِ الرأسَ وما وعى، ولْيحفظِ البطنَ وما حوى، ولْيذكرِ الموتَ والبِلا، ومن أراد الآخرةَ ترك زينةَ الحياةِ الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللهِ حق الحياءِ".[٨]


2. حياء العبد من النَّاس

ويكون بترك إيذائهم وإظهار القبيح من الفعل لهم، فمن اجتنب ذلك كان بأعين النَّاس من أهل المروءة والاتّزان.


3. حياء العبد من نفسه

ويكون بالعفَّة وحفظ الخلوات، فمن يفعل في خلوته فعلًا يستحيي أن يظهر به بين النَّاس لم يكن سليم النَّفس ولا صالح السَّريرة، وكان فيه شيءٌ من الجهل، وليس لنفسه قدرٌ عنده. وإن من يحفظ هذه الأنواع من الحياء ويعمل بها، كانت نفسه عزيزة كريمة، وهذا يجعل مقامه بين النَّاس رفيعًا، ويكون محبوبًا وممدوحًا، فإن ذُكِر بين الناس لا يُذكر إلا بالخير دائمًا.


الحياء المَذموم

توجد صورٌ عديدةٌ تعدُّ من الحياء المذموم الذي لا نفع فيه، بل إنَّ الشرع كرهه وحرَّمه، ومن ذلك ما يأتي:[٩]


1. ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر

قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَمنعَنَّ أحدَكم هيبةُ النَّاسِ أن يقولَ في حَقٍّ إذا رآهُ أو شَهِدَه أو سمعَه قالَ: وقالَ أبو سعيدٍ: ودِدتُ أنِّي لَم أسمَعهُ"،[١٠] وصورته ممَّا نراه اليوم، من ينتهي عن شيءٍ نهاه عنهُ أحدهم حياءً منه، وليس لأنَّ هذا الفعل حرام أو كرهه الشَّرع.


2. فعل الإثم استحياءً من النَّاس

وصورة ذلك تلك المواقف التي نراها اليوم حولنا من مصافحة النَّساء الأجنبيات وقول بعضهم: فعلتها حياءً منها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَأَنْ يُطعَنَ في رأسِ أحَدِكُمْ بِمَخْيَطٍ من حَدِيدٍ خَيرٌ له من أنْ يَمسَّ امْرأةً لا تَحِلُّ لَهُ".[١١]


3. ترك طلب العلم

فلا ينبغي للإنسان أن يترك العلم حياءً من أيِّ أحدٍ كان، وليأخذ بما قالته أمُّنا عائشة رضي الله عنها عن نساء الأنصار، إذ قالت: "نِعمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنصَارِ، لَم يَكُن يَمنَعُهُنَّ الحَيَاءُ أَن يَتَفَقَّهنَ فِي الدِّينِ".


المراجع

  1. ^ أ ب عبدالرحمن اللويحق (28/1/2016)، "الحياء"، الألوكة الشرعية ، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن عمران بن الحصين ، الصفحة أو الرقم:6117، صحيح .
  3. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عقبة بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:6120، صحيح .
  4. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:35، صحيح .
  5. رواه السيوطي ، في الجامع الصغير ، عن أبوهريرة ، الصفحة أو الرقم:1662، حسن .
  6. رواه الألباني ، في تخريج مشكاة المصابيح ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:4782، إسناده على شرط الشيخين .
  7. "أنواع الحياء "، إسلام ويب ، 20/6/2012، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
  8. رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن عبدالله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:935، حسن .
  9. عبدالهادي وهبي (2/5/2013)، "تذكير الأحياء بخلق الحياء "، طريق الإسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
  10. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أبو سعيد الخدري ، الصفحة أو الرقم:423، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  11. رواه الألباني، في غاية المرام، عن معقل بن يسار ، الصفحة أو الرقم:403، حسن.