التسامح في اللغة من سمَح، وسمح الشخص؛ أي جاد وأعطى عن كرمٍ وسَخاء،[١] أمّا التسامح في الاصطلاح؛ فهو بذل المرء لما لا يجب عليه تفضلًا من اللين والجود والعطاء واليسر ورفع المشقة،[٢] وقد دعت الشريعة الإسلاميّة المسلم لأن يكون متسامحًا في تعامله مع المسلمين وغيرهم، وذلك في جميع الأحوال، وربط النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بين السماحة وأصل الشريعة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "أحبُّ الدِّينِ إلى اللَّهِ الحنيفيَّةُ السَّمحةُ"،[٣][٤] وسنذكر في هذا المقال معنى التسامح وأنواعه، وبعض الأمثلة من حياة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الدّالة على تسامحه.[٤]
أنواع التسامح في الإسلام
التسامح في الإسلام له أنواعه، آتيًا ذكرها وبيانها.[٥]
التسامح في العبادات
ويظهر ذلك جليًّا في أمثلةٍ كثيرةٍ، منها:[٥]
- التدرّج في التشريع والتمهيد له، كالتدرج في تحريم الخمر.
- ما شرعه الله تعالى لعباده لجبر النقص في عباداتهم كسجود السهو مثلًا، فعن عبد الله بن مالك بن بُحينة -رضي الله عنه- أنّه قال: "إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ لَمْ يَجْلِسْ بيْنَهُمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذلك".[٦]
التسامح في المعاملات
والمعاملات في الشريعة الإسلاميّة مبنيّةٌ على التسامح، ومثال ذلك:[٥]
- إعطاء المعسر مهلةً لسداد دينه أو العفو عنه وفيه أجرٌ عظيمٌ، وكذلك حثّ التاجر على أن يكون متسامحًا في بيعه وشرائه، والقاضي في المحاكمة بين الناس؛ لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى".[٧]
- تجاوز الشريعة والعفو على من أُكره؛ فتكلم بلسانه ما يخالف قلبه وإيمانه، قال تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللَّـهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ وَلـكِن مَن شَرَحَ بِالكُفرِ صَدرًا فَعَلَيهِم غَضَبٌ مِنَ اللَّـهِ وَلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ).[٨]
التسامح مع الأديان الأخرى
ومنه وصايا النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بأهل الذمة، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "مَن ظلم معاهدًا، أو انتقَصه حقًا، أو كلَّفه فوقَ طاقتِه، أو أخذ منه شيئًا بغيرِ طيبِ نَفسٍ منه، فأنا حَجيجُه يوم َالقيامةِ"؛[٩] فبيّن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حقوق المعاهد، وشدّد على حرمة ظلم المسلم لغيره، سواءً أكان مسلمًا أو غير مسلمٍ.
نماذج من عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام
بلغ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- درجةً عاليةً في العفو والصفح وسائر الأخلاق الكريمة، وذلك مع المسلمين وغيرهم، وفيما يلي بعض الأحاديث النبويّة والآثار الدّالة على تسامح النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وصحابته ممّن اقتدوا به:[١٠]
- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عزَّ وجلّ".[١١]
- موقف النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وسماحته فيما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أنَّه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وعلَّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: إن هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال: من يمنعك مني؟. فقلت: الله. ثلاثًا، ولم يعاقبه وجلس".[١٢]
- عفو أبي بكر -رضي الله عنه- عن مسطح بن أثاثة: "وكان مسطح بن أثاثة ممن تكلم في الإفك، فلما أنزل الله براءة عائشة، قال أبو بكر الصديق: -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره- والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ) إلى قوله (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال والله لا أنزعها منه أبدًا".[١٣]
- ومن سماحة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ما رواه عطاء بن فروخ مولى القرشيين: أنَّ عثمانَ رضي اللهُ عنه اشترى مِن رجلٍ أرضًا فأبطأَ عليه فلقِيَهُ فقال له: ما منَعَكَ من قبضِ مالِكَ قالَ: إنَّكَ غَبَنْتَنِي فَمَا ألْقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ إلاَّ وَهُوَ يلومُنِي قالَ: أَوَذَلك يمنعُك قال: نعم قال: فاخترْ بينَ أرضِكَ ومالِكَ ثم قالَ: "قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَدَخَلَ اللهُ عزَّ وجل الجنةَ رجلًا كانَ سهلًا مشترِيًا وبائعًا وقاضِيًا ومُقْتَضِيًا".[١٤]
المراجع
- ↑ "معنى التسامح"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021.
- ↑ "التسامح مظاهره وآثاره"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه العيني، في عمدة القاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:369، إسناده حسن.
- ^ أ ب "خلق التسامح"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "التسامح مظاهره وآثاره"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مالك بن بحينة، الصفحة أو الرقم:1225، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2076، صحيح.
- ↑ سورة النحل، آية:106
- ↑ رواه الألباني، في غاية المرام، عن بعض أصحاب النبي عليه السلام، الصفحة أو الرقم:471، حسن.
- ↑ "التسامح"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 10/12/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2328، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:4136، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2661، صحيح.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عطاء بن فروخ مولى القرشيين، الصفحة أو الرقم:203، إسناده صحيح.