مع تطور المجتمعات والحضارات، بدأ الناس يتبادلون الشكاوى لبعضهم من القلق وعدم الشعور بالطمأنينة، وهذا يعود إلى الكثير من الأمور، ومن ضمن تلك الأمور فقدان القناعة والرضا، فلم تعد القناعة موجودة عند الكثير من الناس بما أعطاهم الله سبحانه وتعالى، فأصبح كل شخص ينظر إلى ما عند غيره دون قناعة بما لديه، ولم يعد الشخص راغبًا بوظيفته ولا بمنزله ولا بما يملك، فينظر إلى كل ما لديه وإلى ما يملك بنظرة سخط وعدم رضا بما وهبه الله تعالى، لذلك سنتحدث في مقالنا هذا عن القناعة والرضا وما مدى تأثيرها على الإنسان وكيف دعا الإسلام إلى كل ذلك.


والقَنَاعة في اللغة هي مصدر قَنِعَ، أي عنده قناعة بما يملك والرضا والقبول به، وقيل: القناعة كنز لا يفنى[١]، أما القناعة في الاصطلاح فإن لها الكثير من التعاريف، وأهما هو أن يكتفي الإنسان ويقنع بما يملك، ولا ينظر إلى ما عند غيره ويطمع به[٢].


كيف حث الإسلام على القناعة والرضا؟

لا يوجد شيء يشجع على تطبيق سلوك أو عادة أكثر من الإشارة إلى فضائل ذلك الشيء ومحاسنه، وقد ورد فضل القناعة والرضا في كثير من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيما يأتي عرض لبعض فضائل القناعة والرضا التي توضح دعوة الإسلام إليها[٣]:


1. جعل القناعة سببًا في فلاح الشخص

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَد أفلحَ مَن أسلمَ ورزقَ كفافًا، وقنَّعَهُ اللَّهُ"[٤]، وفي هذا الحديث يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن الاكتفاء بالقليل يقود إلى الفلاح، فلا ينبغي للإنسان أن يجهد نفسه ويتعبها في الحصول على الزائد عن حاجته، فالرزق المحمود هو الرزق الذي يمكن الفرد ويقويه على الطاعة، فيكون جهد الإنسان وانشغاله على قدر حاجته.


2. أوضح بأن الشخص القنوع يكسب محبة الله تعالى ومحبة الناس

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ازْهَدْ في الدنيا يُحبُّك اللهُ، وازهَدْ فيما عند الناسِ يُحبُّك الناسُ"[٥]، وهذا يؤكد أنه على قدر ما كان الإنسان يزهد في نفسه على قدر ما تكون نفسه طيبة وتألفه النفوس، فالشخص الذي لا ينظر إلى ما بين أيدي الناس يتعامل معهم على أساس المحبة، وبالتالي فإنه يحصل على المحبة أيضًا.


فضائل عامة للقناعة والرضا

إلى جانب الفضائل الأساسية للقناعة التي تجعل المسلم يحرص على التحلي بها توجد الكثير من الفضائل الأخرى، وفيما يأتي عرض لأبرزها[٣]:

  1. الحصول على الثناء والعيش الطيب.
  2. استعلاء النفس على الشهوات والملذات.
  3. تمكين الشخص من التخلي عن حاجته للناس.
  4. نيل رضا الله سبحانه وتعالى وهو أسمى هدف للفرد المسلم.
  5. زيادة صاحب القناعة لشكره لله سبحانه وتعالى على نعمه.
  6. تحقيق البركة في الرزق؛ فالله سبحانه وتعالى يبارك في مال الشخص عندما يكون قنوعًا.


الأسباب المعينة على اكتساب القناعة والرضا

لم يحث الإسلام على سلوك أو عادة إلا وأوجد الأسباب التي تعين على الالتزام بها، وفيما يأتي عرض لأبرز ما يعين المسلم على القناعة والرضا[٦]:

  1. تذكير النفس بأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى.
  2. التذكر بأن الدنيا فانية ودار زوال.
  3. المعرفة واليقين بأن الغنى والفقر هما سواء، وهما ابتلاء وامتحان من الله تعالى.
  4. تهذيب النفس وتربيتها على تنظيم الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير.
  5. إدراك وجود حكمة من الله تعالى في التفاوت في أرزاق الناس.
  6. النظر إلى الأشخاص الأقل رتبة وملكًا، والكف عن النظر إلى الأشخاص الأعلى رتبة والأوسع ملكًا.


*إضاءة*

من أبرز التصورات الإسلامية للقناعة هي أن الدنيا هي دار ممر لا دار مقر، وهي محطة يعبرها الإنسان، وهي طريق السفر إلى الله سبحانه وتعالى، وقد وردت العديد من المواقف عن السلف والصحابة التي تبين ذلك وتؤكده، ومنها ما رُوي عن سلمان الفارسي فقيل: "اشتَكَى سَلمانُ فعادَهُ سعدٌ، فرآهُ يبكي، فقالَ لَهُ سعدٌ: ما يُبكيكَ يا أخي؟ أليسَ قد صحِبتَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، أليسَ؟ أليسَ؟ قالَ سَلمانُ: ما أبكي واحدةً منَ اثنتَينِ، ما أبكي ضنًا للدُّنيا، ولا كراهيةً للآخرةِ، ولَكِن رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عَهِدَ إليَّ عَهْدًا، فما أراني إلَّا قد تعدَّيتُ، قالَ: وما عَهِدَ إليكَ؟ قالَ: عَهِدَ إليَّ: أنَّهُ يَكْفي أحدَكُم مثلُ زادِ الرَّاكِبِ، ولا أراني إلَّا قد تعدَّيتُ، وأمَّا أنتَ يا سعدُ فاتَّقِ اللَّهَ عندَ حُكْمِكَ إذا حَكَمتَ، وعندَ قَسمِكَ إذا قَسمتَ، وعندَ هَمِّكَ إذا هَممتَ"[٧]، فالمسلم من حقه أن يعيش حياته حياة تقية، ولكن يأخذ من الدنيا بالقدر الذي سيوصله إلى الله سبحانه وتعالى دون الانشغال بالدنيا عن هذا الهدف.


المراجع

  1. "تعريف و معنى قناعة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني.
  2. " القناعة (حقيقتها ومكانتها ووسائلها)"، الالوكة. بتصرّف.
  3. ^ أ ب " القناعة في السنة النبوية "، اسلام يب. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2348.
  5. رواه النووي، في الأذكار، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:503، حسن.
  6. " القناعة (حقيقتها ومكانتها ووسائلها)"، الالوكة . بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح ابن ماجه، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3328.