للقناعة أثرٌ عظيمٌ على نفس الإنسان، وهي صفةٌ زكّاها الله عز وجل، وحثّت عليها الشريعة الإسلامية لتطهيرها للنفس، وتعدّ القناعة منزلةً رفيعةً وجليةً، فإذا اتّصلت قناعة العبد بإيمانه كانت طريقًا له إلى الفلاح والنجاح، وطوق نجاةٍ له؛ فمن قنع بزاده ورزقه كان زاهدًا ولم يحتج عبدًا قط، بل إنه يسلّم حاجته ورزقه لله عز وجل رضًا بلطفه وتسليمًا لقدرهِ، لهذا رغَّبت الشريعة الإسلامية بهذه الصّفة، وميَّزت كل من تمسَّك بها عن غيره، فإن للقنوع أجرًا عظيمًا يناله من الله سبحانه وتعالى يوم لقياه.
شروط القناعة
للقناعة شروطٌ إن غابت لا يكون للقناعة أثرٌ في المؤمن أو أجرٌ له عند الله، وفيما يأتي توضيح لتلك الشروط:[١]
1. الابتعاد عن الشهوات
يجب على المسلم المتحلي بالقناعة أن ينأى بنفسه عن الشهوات كلها، خصوصًا تلك التي لا تُرتجى إلّا بالمال وكثرة المادة؛ إذ إن هذا النوع من الشهوات يدفع الإنسان إلى طلب المزيد والمزيد، وفي ذلك فتح لباب الطّمع المتعارض مع القناعة، والذي يسوق الإنسان إلى بذل الجهد لنيلِ شهواته من المادة.
2. ربط طلب الزيادة بالإنفاق
إذ يجب أن يسعى المسلم في طلب الزيادة في المال لينفق بها لوجه الله تعالى، وأن يكون في خاطره ونيّته مساعدةُ المُحتاج وعمل المعروف، لمعرفته بأن المال أداةٌ يَتقرَّب به إلى ربه، وليس وسيلةً لتكديسها ونيل الشهوات بها.
3. تجنب جمع المال للورثة
إذ يجب على المسلم ألا يسعى في جمع ماله ومكاسبه ليورث بها أبناءه فقط، دون أن يُنفق على نفسه ممّا آتاه الله، ففي ذلك سوء ظنٍ بالله؛ فالمسلم القنوع يعلم أن الله تعالى هو الذي سيرزق أبناءه، ويعلم أن معطي النعمة هو حافظها، باختلاف الزّمان والظروف؛ كي لا يصبح الإنسان في ذلك ساعيًا محرومًا من نتيجة سعيه، أو مجتهدًا مذمومًا لعدم إنفاقه على نفسه.
4. تجنب جمع المال للتكديس والمفاخرة
إذ يجب على المسلم ألا يجمع المال مكدّساً له لحفظه والمفاخرة به، فقد قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ".[٢]
5. ربط القناعة بالإيمان
على المسلم أن يتخذَّ درب القناعة مسلكًا لتقوية إيمانه بالله تعالى، مروضًا قلبه على القناعة والغنى، فلو مَلَكَ الإنسان درهمًا واحدًا، وكان قلبه غنيًّا فكأنما ملك الدنيا بأكملها، وهذا المبدأ يبعد عنه الكثير من أمراض القلوب التي هو في غنًى عنها، من حقد وحسد وبغضاء.
مفهوم القناعة
تعرف القناعة اصطلاحًا بأنها رضا العبدُ بما قسمه الله له، لو كان ذلك أقل من حاجته، دون أن يتطلع إلى ما ليس عنده، بل يكتفي بما هو موجود بين يديه،[٣] فالقناعة لا تكون بتكديس المال أو جمع المكاسب، وليس القنوع من يشكو رزقه ورازقه إلى الخلق، متطلعًا إلى ما ليس له، وليس القنوع من غضب إذا ما لم يكسب مطلبه من الدنيا، بل القنوع من علم أنَّ له في كنف الرّزاق ما هو خيرٌ له.
أسباب تعين المسلم على كسب القناعة
يمكن للمسلم الذي يسعى إلى التحلي بالقناعة أن يستعين ببعض الأسباب التي تساعده على ذلك، وفيما يأتي ذكر لأهمها:[٤][٥]
- الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو الذي يرزق العباد.
- تذكر حقيقة أن هذه الدنيا فانية وإلى زوال.
- التطلّع إلى من هم أقلّ منزلة في المال والجاه والمنصب؛ فهذا خير معين على القناعة.
- تهذيب النفس في الإنفاق، والتدبيه في صَرف المال، إذ إن المسلم القنوع لا يكون مسرفًا ومبذرًا.
- الرضا بما قسمه الله، وعدم النظر إلى ما وهبه الله للغير، ففي تفاوت الرّزق غايةٌ يعلمها الله.
- العلم بأن الغنى والفقر ما هما إلّا امتحانٌ وابتلاءٌ من الله تعالى للعبد.
إضاءة
إن الإنسان القنوعُ عفيفُ النَّفس لا يرضى على نفسه أن يسلبُ مال غيره، أو أن يسرق، أو أن يجحد في ما يؤتيه الله، وهذا يجعل الآثار المترتبة على القناعة تتجاوز الفرد نفسه لتنعكس على المجتمع بأكمله، كما أن الإنسان القنوع العاقل لا يبتغي في دنياه جمع مكاسب المادة، رابطًا كل فرحِ الدنيا بما يملك من مالٍ، بل إن المسلم القنوع يبحث في مكاسبه عما يريح خاطره وقلبه؛ لينعم بانشراحِ صدره وبالِهِ، ويجبُ على المسلم أن يتزنَ في مفهوم قناعته، فليس عليه أن يجلس في بيته نائمًا مستظلًا بظل القناعة، وبأنه قانعٌ بما يملك، فقد نبَّهنا الله تعالى في كتابه فقال: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، إذ إن في القعود والركون إثماً عظيمًا.
المراجع
- ↑ إبراهيم محمد الحقيل ، القناعة مفهومها منافعها، صفحة 16-17. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة ، آية:34
- ↑ "معنى القناعة لغةً واصطلاحاً"، طريق الإسلام ، 8/5/2014، اطّلع عليه بتاريخ 29/8/2021. بتصرّف.
- ↑ أحمد عماري (7/5/2015)، "القناعة ( حقيقتها ومكانتها ووسائلها )"، الألوكة الشرعية ، اطّلع عليه بتاريخ 29/8/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الملك ، آية:15