من أكثر الصفات التي تربط الإنسان بأخيه هي المودة، فالمودة قانون شامل، وقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم المودة والسلام شعارًا للإسلام، وذكر ذلك في الحديث الذي رواه أبو شريح بن عمرو: "يا رسولَ اللهِ أَخبِرْني بشيء يوجب لي الجنةَ قال: طِيبُ الكلامِ، وبذلُ السلامِ، وإطعامُ الطعامِ"[١]، وفي مقالنا هذا سنعرض معنى المودة وأنواعها وموانعها، كما سنتطرق إلى بعض المواضع التي ذكرت فيها المودة في القرآن والسنة.


تعريف المودة

المودة لغةً هي مصدر وَدَّ، أي تَوَدَّدَ إلَيْهِ وتعني تَحَبَّبَ إلَيْهِ، ونقول تَوَدَّدَ فلانًا أي اجتلب وُدَّهُ[٢]، أما تعريف المودة في الاصطلاح فهي التواصل بالطريقة التي تجلب المحبة، كما أنها تعرف بالتواصل والتقرب من شخص بالشيء الذي يحبه، ويكون هذا الحب مدخله مدخل خير [٣].


المودة في القرآن الكريم

وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تكلمت عن المودة، ومن هذه الآيات ما يلي[٤]:

  • قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"،[٥] وهذه الآية تتناول المودة والمحبة بين الزوجين، فالله سبحانه وتعالى خلق الزوجة من ضلع زوجها لتكون بينهما سكينة وطمأنينة، وجعل أساس الزواج قائمًا على المودة والمحبة، وهذه دلالة على أهمية المودة في تكوين العلاقات.[٦]
  • قول الله تعالى في كتابه الكريم: "وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا"[٧].


المودة في السنة النبوية الشريفة

وردت أحاديث كثيرة في السنة النبوية الشريفة تكلمت عن المودة، ومن هذه الأحاديث ما يلي:[٨]

  • من أكثر الأحاديث المشهورة التي تحدثت عن المودة هو حديث النعمان بن بشير، فعن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى"[٩]، فالإسلام حث على وجود الألفة وروح الأخوة بين المسلمين، كي يكون المسلمون متكاتفين متلاحمين فيما بينهم كالجسد الواحد، لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة الإسلامية إلى أن يكون بينهم تراحم ومودة وتعاطف ومحبة، فالمؤمنون متراحمون ومتلاحمون بعضهم ببعض، فهم إخوة في الإسلام، لذلك فإن تواصلهم يكون بمحبة، ويمكن التعبير عن تلك المحبة بالتزاور وتبادل الهدايا.
  • من الأحاديث التي تتناول فكرة المودة، قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبَّ أحدُكم أخاه في اللهِ فلْيُعلِمْهُ، فإنَّهُ أبْقَى في الأُلْفةِ، وأثْبَتُ في المَوَدَّةِ"،[١٠] ويوضح لنا هذا الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على نشر المحبة بين الناس، ويبين لنا أن بناء المجتمعات يعتمد على وجود الألفة والود وعدم التباغض، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف ننشر الود ونبتعد عن الكره.


أنواع التودد إلى الناس

ينقسم التودد إلى نوعين وهما[١١]:

  1. تودد محمود: وهو التودد إلى أهل الخير والصلاح، وتكون فيه المحبة معتدلة.
  2. تودد مذموم: وهو التودد إلى الكفار والظالمين والفاسقين من الناس.


موانع التودد إلى الناس

على الرغم من أن التودد إلى الناس أمر مطلوب، إلا أننا نجد موانع لهذا التودد مع بعض الأنواع من الناس، وسنعرض فيما يأتي تفصيلًا لما يمنع التودد إلى الناس[١١]:


1. التكبر

فالتكبر صفة مضادة تمامًا لصفة المودة، وإن من يحمل صفة التكبر من المستحيل أن يحمل صفة المودة؛ فالتكبر والمودة صفتان لا تجتمعان في شخص واحد، إذ إن التكبر يمنع المودة، والمودة تمنع التكبر، والتكبر صفة مذمومة وغير مرغوب بها، بينما الموده صفة محمودة يسعى الشخص إلى الاتصاف بها.


2. العبوس في وجه الناس

إن ظهور ملامح العبوس والكشرة على وجه الشخص تمنعه من الاتصاف بالمودة، فالإنسان يبتعد عن الأشخاص الذين يظهر على وجوههم الغضب والعبوس.


3. الكلام الغليظ، والألفاظ غير اللائقة

إن التحدث مع الأشخاص دون انتباه للكلمات التي تخرج يؤدي إلى ابتعاد الناس عن هذا الشخص، خصوصًا إذا كان هذا الكلام ثقيلًا ولا يرغب أحد بسماعه، كما أن التلفظ بألفاظ سيئة وكلمات بذيئة يعد نوعًا من عدم الاحترام للشخص، وهذا كله يمنع صفة المودة.


4. البخل

فالشخص البخيل والذي لا يساعد الناس ويمنع عنهم ما يستطيع المساعدة به، يكون بذلك قاصدًا لإبعاد الناس عنه، وهو بذلك ينفي عن نفسه صفة المودة.


5. الشدة في الكلام

إن عدم المرونة في الكلام، وعدم تقبل الحوار والمناقشة، والثبات على الرأي وعدم التنازل عن الموقف يمنع الشخص من أن يتصف بالمودة، خصوصًا إذا كان هذا الشخص هو المخطئ.


6. الانعزال عن الناس

إن الابتعاد عن الناس، وعدم الجلوس والتواصل معهم، يمنع من بقاء المودة إن كانت موجودة، ويحول دون تكونها في حال لم تكن موجودة أصلًا.


7. الخلافات مع الناس

إن حصول النزاعات والصراعات والخلافات الكثيرة والمستمرة مع الناس يؤدي إلى جعل صفة المودة بعيدة جدًّا عن الشخص، فهي معاكسة تمامًا للمودة.

المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الترغيب ، عن أبو شريح العدوي خويلد بن عمرو، الصفحة أو الرقم:2699.
  2. "تعريف و معنى مودة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، المعاني.
  3. " معنى التَّودُّد لغةً واصطلاحًا"، الدرر السنية . بتصرّف.
  4. " أولًا: التَّرغيب في التَّودُّد في القرآن الكريم "، الدرر السنية . بتصرّف.
  5. سورة الروم، آية:21
  6. " تفسير الآية رقم (21) - من سورة الروم"، القران الكريم. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية:73
  8. " ثانيًا: التَّرغيب في التَّودُّد في السُّنَّة النَّبويَّة"، درر السنية . بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم:2586.
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن مجاهد بن جبر المكي، الصفحة أو الرقم:280، حسن.
  11. ^ أ ب " أنواع التَّودُّد إلى النَّاس"، الدرر السنية. بتصرّف.