لمَّا خلق الله سبحانه وتعالى الخلق خلقهم ليعبدوه وليكونوا أصحاب أخلاقٍ فاضلةٍ، فأمر الله سبحانه وتعالى العباد أن يلتزموا هذه الأخلاق وأن يتعاملوا بها بين بعضهم بعضًا، فإنَّ ذلك أدعى إلى دوام المحبَّة بينهم والألفة، فالشَّريعة الإسلاميَّة حثَّت على كلِّ خلقٍ حسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ"،[١] وإن التواضع من الأخلاق العظيمة التي وصف الله به عباده الصالحين، لكن بعض الناس يخلطون بين التواضع والذلة، لذلك سنعرض في هذا المقال أبرز الفروقات بينهما.[٢]


الفرق بين الذلة والتواضع

يتمثل الفرق بين التواضع والذلة بأن التواضع فيه إظهار للقدرة والقوة، أما الذلة ففيها إظهار للعجز، وفيما يأتي تفصيل للفرق بين التواضع والذلة بعرض معنى كل منهما على حدة:[٣]


التواضع

التواضع من الأخلاق التي زكَّاها الله سبحانه وتعالى، وهي بالأصل تأتي بمعنى الرضا، أي: رضا العبد في منزلة أقل من التي يستحقها، وهو بذلك يكون بعيدًا عن السمعة والرياء وطلب الظهور بين النَّاس، بل إنَّ من كان متواضعًا لله يكون متَّزنًا ويكون هادئًا مبتسمًا، وعندما يتعامل الرجل مع غيره معاملةً حسنةً، يكون له قبول وتقديرٌ بين الناس؛ فيكسب مودَّتهم دون فرض أي قيود أو حواجز على الغير لاختلاف الحسب أو النسب أو المكانة والمنزلة، لذلك تظهر محبة النَّاس بعضهم لبعض عندما يحسن أحدهم للآخر، وهذا شأن من اتَّسم بخلق التَّواضع.


الذلة

الذلة هي تصغيرٌ للنَّفس في عين الآخرين، والانكسار أمامَ النَّاس، وكسر الموازنة ما بين التَّواضع للناس وحفظ قيمة الإنسان وهيبته، فتنحطُّ قيمته ومكانته بانكساره للناس، وحاجته لهم، والاستعلاء عليه من جميع أفراد المجتمع؛ وذلك بسبب عدم تقديرِ ذاته، وعدم الموازنة ما بين التَّواضع للغيرِ وحفظ قيمة النَّفس.


التَّرغيب في التَّواضع

حثَّت الشريعة الإسلامية على التَّواضع، وقد وردت في ذلك الكثير من الآيات والأحاديث، ومنها ما يأتي:[٤]


من القرآن الكريم

  • خاطب الله عز وجلَّ نبيَّه وأظهر أنَّه منَّ عليهم بأن جعل قلبه من القلوب اللَّينة على المؤمنين، وحثَّ المؤمنين أن تكون قلوبهم كقلب نبيِّهم ليِّنةً على غيرهم من المؤمنين، قال الله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".[٥]
  • حثَّ الله عز وجلَّ المؤمنين على التَّواضع للوالدين وخفض الجناح لهما، قال الله سبحانه وتعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".[٦]


من السٌّنَّة النَّبويَّة

  • الوعد من الله عزَّ وجلَّ بالرِّفعة لمن تواضع لله، فكما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقة مِن مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله".[٧]
  • أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المتواضعين للنَّاس، الذين لا يتكبَّرون ولا يستعلون على النَّاس، لهم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ".[٨]


إضاءة



ينبغي على العبد المسلم أن يكون على درايةٍ بأنَّ التَّواضع منه ما هو محمودٌ يؤجر عليه، كتواضع العبد لله سبحانه وتعالى ولعظمته وكبريائه، فيشعر العبد بأنه ضعيفٌ بين يدي الله وأنَّ الله هو القوي سبحانه، فعندما يوقن العبد بذلك فإنَّه يتواضع لله ويتواضع للنَّاس ابتغاء الأجر من الله، ومن التَّواضع ما هو مذمومٌ، ولا يجوز أن يصل الإنسان إلى تلك الحالة، ويقصد بالتَّواضع المذموم المهانة، في أن يُهين الإنسان نفسه ويذلَّ نفسه في نيل حظوظها وشهواتها.




المراجع

  1. رواه الألباني ، في صحيح البخاري ، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:2833، صحيح .
  2. "أقسام التواضع "، طريق الإسلام ، 31/1/2014، اطّلع عليه بتاريخ 9/9/2021. بتصرّف.
  3. صلاح الدق (30/1/2019)، "التواضع في الإسلام "، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 1/9/2021. بتصرّف.
  4. "التواضع خلق الكبار "، إسلام ويب ، 12/7/2020، اطّلع عليه بتاريخ 1/9/2021. بتصرّف.
  5. سورة آل عمران ، آية:159
  6. سورة الإسراء ، آية:24
  7. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبوهريرة ، الصفحة أو الرقم:2588، صحيح .
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عياض بن حمار ، الصفحة أو الرقم:2865، صحيح .